بد منه في إيجاد العالم حاصلا في الأزل كان العالم أزليا وإنما يلزم لو لم يكن من جملة ما لا بد منه الإرادة التي من شأنها الترجيح والتخصيص متى شاء الفاعل من غير افتقار إلى مرجح ومخصص من خارج قولكم يلزم تخلف المعلول عن تمام علته وهو باطل لامتناع الترجيح بلا مرجح قلنا لا نسلم بطلان التخلف في العلة المشتملة على الإرادة والاختيار فإنه ليس ترجحا بلا مرجح بل ترجح المختار أحد المقدورين من غير مرجح خارج واستحالته ممنوعة كما في أكل الجائع أحد الرغيفين وسلوك الهارب أحد الطريقين فإن قيل لا نزاع في أن نفس الإرادة لا يكفي في وجود المراد بل لا بد من تعلقها فإن كان قديما وإن كان حادثا كان ذلك الترجيح ترجحا بلا مرجح قلنا لا بل ترجيحا به فإن تعلق الإرادة مما يقع بالإرادة من غير افتقار إلى أمر آخر والحاصل أنا نجعل شرط الحوادث تعلق الإرادة ونلتزم فيه التخلف عن تمام العلة (قال الثاني 6) لما كان إمكان العالم أزليا وكذا صحة تأثير الصانع فيه وإيجاده إياه لزم أن يكون وجوده أيضا أزليا لكن المقدم حق إذ لو كان في الأزل ممتنعا ثم يصير ممكنا فيما لا يزال لزم انقلاب المح فكذا التالي وجه اللزوم أنه إذا كان الإمكان مع صحة التأثير متحققا في الأزل ولا يوجد الأثر إلا فيما لا يزال كان ذلك تركا للجود مدة لا تتناهى وذلك لا يليق بالجواد المطلق والجواب بعد تسليم امتناع ترك الجود أنه إنما يلزم لو أمكن وجود العالم في الأزل على أن يكون الأزل ظرفا للوجود وهو ممنوع والثابت ببرهان استحالة الانقلاب هو أن وجوده ممكن في الأزل على أن يكون الأزل ظرفا للإمكان ألا ترى أن الحادث بشرط الحدوث ممكن أزلا ووجوده في الأزل محال دائما وقد سبق ذلك في بحث الوجوب والإمكان والامتناع (قال الثالث 7) قد سبق الكلام على ما يدعيه الفلاسفة من تركب الجسم من الهيولي والصورة وكون الهيولي قديمة وكونها غير منفكة عن صورة ما (قال الرابع 3) لما كان الزمان أعنى مقدار الحركة القائمة بالجسم قديما كان الجسم قديما أما اللزوم فظاهر وأما حقيقة الملزوم ولأنه لو كان الزمان حادثا أي مسبوقا بالعدم فسبق العدم عليه لا يكون بالعلية أو الشرف أو الرتبة وهو ظاهر ولا بالطبع لأن الزمان ممكن والممكن يقتضي لاستحقاقية الوجود والعدم نظرا إلى ذاته فلا يفتقر بذاته إلى عدمه كيف والمتقدم بالطبع بجامع المتأخر وعدم الشيء لا يجامع وجوده فتعين أن يكون بالزمان وهو أيضا محال لاستلزامه وجود الزمان حين عدمه لأن معنى التقدم بالزمان أن يوجد المتقدم في زمان لا يوجد فيه المتأخر والجواب بعد تسليم وجود الزمان وكونه عبارة عن مقدم الحركة أنا لا نسلم انحصار أقسام السبق في الخمسة المذكورة بالمعاني المذكورة لأن سبق أجزاء الزمان بعضها على البعض خارج عن ذلك فليكن سبق عدم الزمان على وجوده كذلك لا يقال التقدم والتأخر داخلان في مفهوم أجزاء الزمان فإن تقدم الأمس على الغد ظاهر بالنظر إلى نفس مفهومه ولا كذلك
(٣٣٣)