الطبيعي لا جهتها فإن العنصر إنما يطلب بالطبع حيزه لا جهته بأن يصل إلى الجسم المشتمل على حقيقة الجهة بل لا يكون ذلك إلا في الماء الطالب للأرض ألا ترى أن النار لو فرضت قاطعة لفلك القمر كانت متحركة إلى فوق لا من فوق ولهذا اتفقوا على أن فوق النار فلك القمر وفوقه فلك عطارد وهكذا إلى المحدد وقولهم أنها تطلب جهة الفوق تجوز بمعنى أنها تطلب المكان الذي يلي جهة الفوق وبعد الاتفاق على أن المحدد فوق الكل اختلفوا في أنه هل ينقسم بحسب الأجزاء المفروضة إلى فوق وتحت كسائر الأفلاك حيث يجعل ما يلي محيط المحدد كالمحدب فوق وما يلي مركزه تحت كالمقعر فجوزه بعضهم بناء على أن المحدد بالذات هو محدبة إذ إليه الانتهاء فتكون الإشارة من مقعره إلى محدبة من تحت ومنعه بعضهم زعما منه أن المحدد هو نفسه فيكون كله لذاته فوق بخلاف الأرض فإن تحتيتها ليست لذاتها بل لكونها في صوب المركز حتى لو تحركت عنه كانت حركة من تحت (قال للبيه 2) لاخفاء في أن إثبات المحدد مبني على امتناع الخلاء والإلجاز أن تنتهي إليه الامتدادات وتتعين به أوضاع الجهات وعلى اختلاف الأجسام بالحقيقة واستناد بعض حركاتها إلى الطبيعة وإلا لما كان من الأجسام ما يقتضي صوب المحيط ويتحرك إليه بالطبع ومنها ما يقتضي صوب المركز ويتحرك إليه بالطبع فلم يكن العلو والسفل جهتين طبيعيتين ولما كان عندنا أن الخلاء ممكن وأن الأجسام متماثلة يجوز على كل منها ما يجوز على الآخر وأن الحركات مستندة إلى قدرة الفاعل المختار لا أثر فيها للطبيعة لم يتم ما ذكروه في إثبات المحدد بالتفسير المذكور ولم تمتنع الحركة المستقيمة على السماوات كما لم تمتنع على العناصر لتحقق الجهات بدونها ولم يثبت ما فرعوا على إثبات المحدد وعدم قبوله الحركة المستقيمة من أن السماوات لا تقبل الخرق والالتئام ولا الكون والفساد ولا الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ولا الألوان والطعوم والروائح ولا اللين والخشونة والملاسة والخفة والثقل إلى غير ذلك مما ورد به الشريعة المطهرة على أنه لو تم ما ذكر ففي المحدد خاصة دون سائر الأفلاك فإن تمسكوا بأنه علم بالرصد أنها تتحرك على الاستدارة فيكون فيها مبدأ ميل مستدير فلا تتحرك على الاستقامة لامتناع اجتماع المثلين قلنا لو سلم ذلك فامتناع انقطاع الاستدارة وحدوث الاستقامة لم يعلم بالرصد ودليل سرمدية الحركات لم يتم كيف وقد جعلوها إرادية لا ذاتية يمتنع انفكاكها وزعم جماعة من قدماء الحكماء المتألهين أن الأفلاك في غاية ما يكون من الصلابة واليبس والملاسة وهي في دوراتها يماس بعضها بعضا فيسمع منها المتلطفون بالحكم والرياضة أصواتا عجيبة غريبة موسيقية مطربة وألحانا ونغماتا متناسة مستحسنة تقف عندها القوى البدنية وتتحير النفوس البشرية (قال المبحث الثاني 7) قد أنجز الكلام ههنا إلى ذكر جل من علم الهيئة الباحث عن أحوال الأجسام البسيطة العلوية والسفلية من حيث كمياتها وكيفياتها
(٣٣٧)