أعني المتحيز الذي له الأبعاد الثلاثة والنظام يجعله مجموع لون وطعم ورائحة ونحو ذلك مما هو من قبيل الأعراض في الواقع وإن كان هو يسميها جواهر بل أجساما فيوافق النجار في المعنى ويخالف القوم إلا أن الاحتجاج عليهما بأن العرض لا يقوم بذاته بل لا بد من الانتهاء إلى جوهر يقومه ولهما بأن الجواهر متماثلة والأجسام مختلفة فلا تكون جواهر ربما لا ينتظم على رأي النظام حيث يزعم أن كلا من تلك الأمور كالسواد مثلا جسم مؤلف من جواهر متماثلة في أنفسها قائمة بذواتها وإن لم تكن مماثلة لجواهر الآخر كالحلاوة أو الحرارة مثلا وبهذا يظهر أن الاحتجاج بأن الأجسام باقية والأعراض غير باقية لا ينتهض عليه مع أن بقاء الأجسام غير مسلم لديه وأما الجواب بمنع تماثل الجواهر فجدلي لا يتأتى على مذهب المانعين حتى لو قصد الإلزام تم المرام والأقرب منع اختلاف الأجسام بحسب الذات بل بحسب العوارض المستندة إلى إرادة القادر المختار والاختلاف إنما هو مذهب النظام و ح يندفع ما ذكر في المواقف من أنه لا محيص لمن يقول بتجانس الجواهر عن أن يجعل جملة من الأعراض داخلة في حقيقة الجسم ليكون الاختلاف عائدا إليها ولا أدري كيف ذهل عما في هذا المخلص من الوقوع في ورطة أخرى هي عدم بقاء الأجسام ضرورة انتفاء الكل بانتفاء الجزء الذي هو جملة الأعراض الغير الباقية باعتراف هذا القائل وقد أشار إليه في تنوير اختلاف الجواهر بذواتها بقوله ولذلك اختلف أن الأعراض لا تبقى والجواهر باقية يعني لو لم تكن الجواهر مختلفة بذواتها لما كانت الأجسام المختلفة محض الجواهر المجتمعة بل مع جملة من الأعراض وحينئذ يلزم عدم بقائها لعدم بقاء الأعراض ولا يخفى أنه كان الأنسب أن يقول والأجسام باقية إلا أنه أراد بالجواهر ما يعم الجوهر الفرد والجسم الذي هو مجموع جواهر مجتمعة (قال وقطع ما لا يتناهى فيما يتناهى ضلال) قد يجاب عن أشكال قطع المسافة المعينة بأنه إنما يتوقف على زمان غير متناهي الأجزاء ينطبق كل جزء منها على جزء من الحركة وهو على جزء من المسافة وهذا لا يستلزم عدم تناهي الزمان لأن المحدود من الحركة والزمان يشتمل على أجزاء غير متناهية كالجسم المتناهي وهذا كما أن المسافة المعينة تحتمل عند الفلاسفة الانقسام إلى غير النهاية ولا يمتنع قطعها في زمان متناه مع أن قطعها يتوقف على قطع نصفها ونصف نصفها وهلم جرا إلى ما لا يتناهى وذلك لأن كلا من الحركة والزمان المحدودين أيضا قابل للانقسام إلى غير النهاية ويدفع بأن ما يوجد شيئا فشيئا من بداية إلى نهاية فامتناع كونه غير متناهي العدد معلوم بالضرورة والقول به ضلال عن طريق الحق بخلاف قبوله الانقسام إلى غير النهاية بالمعنى الذي ذكروه على ما مر فإن قيل هذا ليس تمشية لبرهان قطع المسافة بل رجوعا إلى برهان المحصور بين حاصرين قلنا نعم إلا أن هذا لما كان فيما له امتداد طولي فقط كالحركة والزمان في غاية الظهور بين به حال الجسم (قال وأما الفلاسفة) يريد أن أدلة نفي الجزء الذي لا يتجزأ على كثرتها ترجع
(٢٩٩)