وإن كانت على نهج واحد بمعنى كونها إلى الحيز الطبيعي لكنها قد تختلف بحسب الأحوال كصعود الماء إذا وقع تحت الأرض وهبوطه إذا وقع فوق الهواء بيان ذلك أن العلة للحركة الطبيعية ليست هي الجسمية المشتركة بين الأجسام وإلا لزم دوام الحركة وعمومها للأجسام واتحاد جهة الحركات الطبيعية ضرورة تحقق المعلول عند تحقق العلة وليست أيضا الطبيعية المختصة بذلك الجسم وإلا لزم دوام الحركة لما ذكرنا بل هي الطبيعة الخاصة بشرط مقارنة أمر غير طبيعي هو زوال حالة ملائمة فيتحرك الجسم بطبعه طلبا لتلك الحالة الملائمة ويقف لطبعه عند الوصول إليه ثم لا خفاء في أن الأحوال الملائمة بطبايع الأجسام مختلفة بحسب اختلاف الطبايع مثلا الحالة الملائمة للأرض أن تكون تحت الماء والهواء والنار وللماء أن يكون فوقها وتحت الأخيرين وعلى هذا القياس فمن ههنا يختلف جهات الحركة ولما كانت الحركة لطلب الحالة الملائمة لا لمجرد الهرب عن الحالة الغير الملائمة كانت أولوية الجهة التي إليها الحركة ظاهرة ولا خفاء في أن معنى طلب الحالة الملائمة ههنا التوجه إليها بحيث إذا حصل الوصول إليها حصل الوقوف كما في الغايات الإرادية كما أن معنى الهرب عن الحالة الغير الملايمة الانصراف عنها فلا يختص هذا بالحركة الإرادية كما يتوهم من ظاهر معناهما اللغوي الموقوف على الشعور والإدراك ثم لما كان زوال الحالة الملائمة كحصول الماء في حيزه مثلا قد يكون بخروجه قسرا إلى فوق فيتوجه عند زوال القاسر إلى تحت وقد يكون بالعكس فبالعكس جاز في الحركة الطبيعية بجسم واحد أن يختلف جهتها فتارة يكون إلى فوق وتارة إلى تحت (قال المبحث الرابع) اختلال الحركات قد يكون بالماهية وقد يكون بالعوارض واتحادها قد يكون بالشخص وقد يكون بالنوع وقد يكون بالجنس ثم قد يوصف بالتضاد وقد يوصف بالانقسام فيشير في هذا المبحث إلى بيان ماهية الحركة وقد سبق أن الحركة تتعلق بأمور ستة فاتفقوا على أن تعلقها بثلاثة منها وهي ما فيه وما منه وما إليه بمنزلة الذاتي يختلف باختلافه ماهية الحركة وتعلقها بالثلاثة الباقية بمنزلة العرضي لا يختلف باختلافه ماهية الحركة بل باختلاف المحرك لا يختلف هويتها أيضا فبنوا على ذلك أنه إذا اتحد المبدأ والمنتهى وما فيه الحركة اتحدت الحركة بالنوع وإن اختلف المتحرك أو المحرك أو الزمان لأن تنوع المعروضات أو الأسباب لا يوجب تنوع العوارض والمسببات لجواز قيام نوع منها كالحرارة بموضوعين مختلفي الماهية كالإنسان والفرس وحصوله لمؤثرين مختلفين كالنار والشمس وبهذا يظهر أن لا أثر للاختلاف بالقسر والطبع والإرادة فالحركة الصاعدة للنار طبعا وللحجر قسرا وللطير إرادة لا تختلف نوعا وأما الأزمنة فلا يتصور فيها اختلاف الماهية ولو فرض فلا خفاء في جواز إحاطتها بحقيقة واحدة والتمسك بأنها عارضة للحركة واختلاف العارض لا يوجب اختلاف المعروض ضعيف لما سبق من أن هذا التعلق بالزمان غير
(٢٦٨)