والكيف مع التنبيه على منشأ توهمهما وذلك إنا نجد الجسم ينتقل على سبيل التدريج من كمية إلى كمية أخرى أزيد أو أنقص ومن كيفية إلى كيفية أخرى تضاد الأولى أو تماثلها من غير أن يظهر لنا تفاصيل ذلك وأزمنة وجود كل منها فنتوهم أن ذلك حركة إذ لا نعقل من الحركة إلا تغيرا على التدريج لكن لا حركة عند التحقيق لأن معنى التدريج المعتبر في الحركة أن لا يكون دفعة لا بحسب الذات ولا بحسب الأجزاء والانتقال ههنا إنما هو دفعات يتوهم من اجتماعها التدريج لأن ما بين المبدأ والمنتهى من مراتب الكميات أو الكيفيات متمايزة بالفعل ينتقل الجسم من كل منها إلى آخر دفعة كما في صيرورة الأرض ماء ثم هواء ثم نارا مع الاتفاق على أن مجموع ذلك ليس حركة جوهرية من الأرض إلى النار لظهور تفاصيل المراتب وأزمنة وجوداتها ويدل على نفي الحركة في الأمور المتمايزة بالفعل سواء كانت كميات أو كيفيات أو جواهر أن الوسط بين المبدأ والمنتهى إن كان واحدا فظاهر أنه لا حركة وإن كان كثيرا فتلك الكثرة سواء كان اختلافها بالنوع أو بالعدد إما أن تكون غير متناهية وهو محال ضرورة كونها محصورة بين حاصرين وإما أن تكون متناهية وهو يستلزم تركب الحركة من أمور لا تقبل القسمة إذ لو انقسمت إلى أمور متغايرة تنقل الكلام إلى كل واحد منها وهلم جرا فيكون ما فرض متناهيا غير متناه هف وتركب الحركة مما لا يقبل الانقسام باطل لاستلزامه وجود الجزء الذي لا يتجزأ وكون البطء لتخلل السكتات أما الأول فلانطباق الحركة على ما فيه الحركة وأما الثاني فلأن السريع إذا تحرك جزءا فالبطيء إن تحرك مثله دائما لزم تساويهما أو أكثر لزم كونه أسرع أو أقل لزم انقسام مالا ينقسم فلم يبق إلا أن يكون له فيما بين أجزاء الحركة سكنات وسيجئ بيان بطلان اللازمين وهذا بخلاف الحركة الأينية فإن الوسط الذي بين المبدأ والمنتهى أعني امتداد المسافة واحد بالفعل يقبل بحسب الفرض انقسامات غير متناهية فإن قيل يجوز أن يكون كل واحد من تلك الآحاد المتناهية قابلا لانقسامات غير متناهية فلا يلزم تركب الحركة مما لا يقبل الانقسام قلنا هذا غير مفيد إذ التقدير أن الانتقال إلى كل من تلك الآحاد دفعي والحاصل أن امتناع تركب الحركة مما لا ينقسم يقتضي أن يكون امتدادها الموهوم منطبقا على أمر قابل لانقسامات غير متناهية على ما هو شأن الكم المتصل سواء كان عارضا بجسم واحد كما في الحركة في الماء أو لأجسام مختلفة كما في الحركة من الأرض إلى السماء لا على كم منفصل متناهي الآحاد سواء كان معروضه جوهرا أو كما متصلا أو كيفا أو غير ذلك وبهذا يندفع ما يتوهم من أنه إذا جازت الحركة في المسافة لكونها معروضة لما يقبل الانقسام لا إلى نهاية ففي الكم القابل لذلك بحسب ذاته أولى (قال ولا يثبت للحركة في باقي المقولات) يعني لا دليل على ثبوت الحركة في الجوهر والمتى والإضافة
(٢٦٤)