من أي قسم من الأقسام الثلاثة لا سيما حركة النبض فقد كثر اختلاف الناس في أنها طبيعية أو إرادية وعلى التقديرين فأينية أو وضعية أو كمية ولكل من الفرق تمسكات مذكورة في المطولات سيما شروح الكليات ونحن نقتصر على ذكر ما هو أقرب وأصوب فنقول أما حركة النفس فإرادية باعتبار طبيعية باعتبار على ما قال بعض المتأخرين من الحكماء أنها تتعلق بالإرادة من حيث وقوع كل نفس في زمان يتمكن المتنفس من أن يقدمه على ذلك الزمان وأن يؤخره منه بحسب إرادته لكنها لا تتعلق بالإرادة من حيث الاحتياج الضروري إليها فهو طبيعي من حيث الحاجة إلى مطلق التنفس وإرادي من حيث إمكان تغير التنفسات الجزئية عن أوقات تقتضيها الحاجة ويكون وقوعها في تلك الأوقات على مجراها الطبيعي وهذا معنى ما قال صاحب القانون أن حركة التنفس إرادية يمكن أن تغير عن مجراها الطبيعي والاعتراض بأنه لا إرادة للنائم فيلزم أن لا يتنفس ليس بشيء لأن النائم يفعل الحركات الإرادية لكن لا يشعر بإرادته ولا يتذكر شعوره ولذلك قد تحرك الأعضاء بسبب الملالة عن بعض الأوضاع ويحكها عند الحاجة إلى الحك ولا يشعر بذلك وأما حركة النمو فظاهر أنها طبيعية إذ طبيعة النامي تقتضي الزيادة في الأقطار عند ورود الغذاء ونفوذه فيما بين الأجزاء وكذا النبض عند المحققين فإنها ليست بحسب القصد والإرادة ولا بحسب قاسر من خارج بل بما في القلب من القوة الحيوانية وميل الجمهور إلى أنها مكانية وقيل بل وضعية وقيل كمية فإن قيل الحركة الطبيعية لا تكون إلا إلى جهة واحدة بل لا تكون إلا صاعدة أو هابطة على ما صرحوا به قلنا ذلك إنما هو في البسائط العنصرية وأما الطبيعية النباتية أو الحيوانية فقد تفعل حركات إلى جهات وغايات مختلفة وطبيعة القلب والشرايين من شأنها للروح إحداث حركة فيها من المركز إلى المحيط وهي الانبساط وأخرى من المحيط إلى المركز وهي الانقباض لكن ليس الغرض من الانبساط تحصيل المحيط ليلزم الوقوف ويمتنع العود بل جذب الهواء البارد المصلح لمزاج الروح ولا من الانقباض تحصيل المركز بل دفع الهواء المفسد للمزاج والاحتياج إلى هذين الأمرين مما يتعاقب لحظة فلحظة فيتعاقب الآثار المتضادة عن القوة الواحدة (قال ومنهم) يعني هرب بعضهم عن الأشكال المذكورة بمنع انحصار الحركة بالذات في الأقسام الثلاثة وجعل طريق القسمة أن الحركة إما ذاتية أو عارضة والذاتية إن كانت على نهج واحد فبسيطة وإلا فمركبة والبسيطة إن كانت تابعة لإرادة فإرادية كحركة الفلك وإلا فطبيعية كالحركة الهابطة للحجر النازل من الهواء والمركبة إن لم يكن من خواص الحيوانات فنباتية كالنمو وإن كانت فإما أن تكون تابعة للإرادة وهي الإرادية كالشئ أو لا وهي التسخرية كالنبض والعارضة إن كان المحرك كجزء من المتحرك فعرضية إرادية أو مكانا له بالطبع فعرضية طبيعية وإلا فقسرية (قال ثم العلة) يعني أن الحركة الطبيعية في البسائط العنصرية
(٢٦٧)