شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٦٩
تعلق الحركة التي جعل الزمان عارضا لها فإنها إنما هي حركة الفلك الأعظم وإذا اختلف المبدأ والمنتهى اختلفت الحركة وإن كان ما فيه واحدا أما في الأين فكالحركة الصاعدة مع الهابطة وأما في الكيف فكالحركة من البياض إلى السواد على طريق التصفر ثم التحمر ثم التسود مع الحركة من السواد إلى البياض على طريق التحمر ثم التصفر ثم التبيض وكذا إذا اختلف ما فيه وإن اتحد المبدأ والمنتهى كالحركة من نقطة إلى نقطة على الاستقامة معها على الانحناء وكالحركة من البياض إلى السواد على طريق الأخذ في الصفرة ثم الحمرة ثم السواد معها على طريق الأخذ في الخضرة ثم النيلية ثم السواد وما ذكر في المواقف من أنه لا بد من وحدة ما فيه وما منه وما إليه إذ لو اختلف ما فيه اختلف النوع كالتسخن والتسود ليس على ما ينبغي لأن هذا إنما يصح للتمثيل دون التعليل وكأنه أراد أنه يختلف النوع عند اختلاف مجرد ما فيه كما يختلف عند اختلاف الأمور الثلاثة مثل التسخن والتسود أو كان الأصل كالتسخن والتبرد فصحف إلى التسود وأما وحدة الحركة بالتشخص فلا بد فيها من وحدة الأمور الستة سوى المحرك للقطع بأن حركة زيد غير حركة عمرو وحركة زيد اليوم غير حركته أمس وحركته من هذا الموضع غير حركته من موضع آخر وحركته من نقطة معينة إلى نقطة غير حركته منها إلى نقطة أخرى وحركته من نقطة إلى نقطة أخرى بطريق الاستقامة غيرها بطريق الانحناء وكذا في الكم والكيف والوضع لكن لا خفاء في أن وحدة ما فيه أعني وحدته الشخصية تستلزم وحدة ما منه وما إليه من غير عكس فلهذا يكتفى بوحدة الموضوع والزمان وما فيه لا يقال ينبغي أن يكتفى بوحدة الموضوع والزمان لاستلزامها وحدة المسافة ضرورة أن حركة زيد في زمان معين لا تكون إلا في مسافة معينة لأنا نقول هذا إنما يكون عند اتحاد جنس الحركة وإلا فيجوز أن ينتقل في زمان معين من أين إلى أين ومن وضع إلى وضع ومن مقدار إلى مقدار ومن كيف إلى كيف بل ومع اتحاد الجنس أيضا لا يصح على الإطلاق لجواز النمو والتخلخل والتسخن والتسود في زمان واحد وأما وحدة المحرك فلا عبرة بها في وحدة الحركة لأن الحركة الواحدة التي لا يكثر فيها بالفعل أصلا قد يقع بمؤثرات متعددة كحركة الجسم في المسافة بتلاحق الجواذب وحركة الماء في الحرارة بتلاحق النيران ولا يلزم من ذلك اجتماع المؤثرين على أثر واحد لأن تأثير كل إنما يكون في أمر آخر هو بمنزلة البعض من الحركة وهذا التبعض والتجزي لا يقدح في وحدتها على الاتصال لأنه بمجرد الوهم من غير انقسام بالفعل وكذا ما يتوهم من تكثرها باعتبار نسبتها إلى المحركات فإنه لا يبطل وحدتها الاتصالية كما يتوهم بحركة الفلك مع اتصالها انقسامات بسبب الشروق والغروب والمسامتات فإن قيل إن أريد الحركة بمعنى القطع أعني الامتداد الموهوم فلا وجود لها في الخارج أو بمعنى الكون في الوسط أعني الحالة المستمرة الغير المستقرة فهو أمر كلي والواقع بهذا المحرك جزئي مغاير للواقع
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»