شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٦٣
بحيث يخرج ما بينها من الجسم القريب وهما من قبيل الوضع لرجوعهما إلى هيئة نسبة الأجزاء بعضها إلى البعض ثم لا يخفى أن هذا الانتقال بالنظر إلى الأجزاء حركة أينية وأما بالنسبة إلى الكل فحركة في الكم على طريق النمو وإن لم يكن نموا وفي الوضع بحسب الداخل حيث تبدلت نسبة الأجزاء بعضها مع البعض كما للفلك بحسب الخارج حيث تبدلت نسبتها إلى الأمور الخارجة فإن قيل فعلى الأول لا تنحصر الحركة في الكم في الاعتبارات الأربعة قلنا لا كلام في عدم الانحصار وفي أن قولنا الانتقال من النقصان إلى الزيادة لورود المادة نمو ليس على إطلاقه وإلى هذا يشير قولنا وقد يكون ازدياد المقدار بورود المادة لا على تناسب طبيعي وهو الورم أو على تناسب طبيعي لكن لا في جميع الأقطار وهو السمن فإنه وإن كان ازديادا طبيعيا بانضياف مادة الغذاء إلى المتغذي كالنمو لكنه لا يكون في الطول على تلك النسبة ولا يختص بوقت معين ولا يكون له غاية ما يقصدها الطبع بخلاف النمو ومقابل السمن هو الهزال فيكون انتقاصا طبيعيا لكن لا في جيمع الأقطار وقد يقال له الذبول أيضا وتحقيق الكلام إنه إذا ورد على الجسم ما يزيد في مقداره فإذا أحدثت الزيادة منافذ في الأصل فدخلت فيها واشتبهت بطبيعة الأصل واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه فذلك هو النمو وزواله بسبب انفصال تلك الأجزاء عن أجزاء الأصل هو الذبول وإذا لم يقو الغذاء على تفريق الأجزاء الأصلية والنفوذ فيها بل انضم إليها من غير أن تتحرك الأعضاء الأصلية إلى الزيادة وإن كان الجسم متحركا إلى الزيادة في الجملة فذلك هو السمن وانتقاصه الهزال فالمخصوص باسم النمو والذبول حركة الأعضاء الأصلية (قال الرابعة) يعني من المقولات التي يقع فيها الحركة الكيف ويسمى استحالة وذلك كانتقال العنب من البياض إلى السواد وانتقال الماء من البرودة إلى الحرارة شيئا فشيئا على التدريج وأنكر بعضهم ذلك فمنهم من زعم أن في الماء مثلا أجزاء نارية كامنة تبرز بالأسباب الخارجة فيحس بالحرارة ومنهم من زعم أنه يرد عليه من الخارج أجزاء نارية ومنهم من زعم أن بعض أجزائه يصير نارا بطريق الكون والفساد والكل فاسد بدلائل وإمارات ربما تلحق الحكم بالضروريات على ما فصل في المطولات أدناها أن جبلا من كبريت يشتعل بقدر يسير من النار فلو كان ذلك لظهور الأجزاء النارية الكامنة لكانت لكثرتها أولى بأن يشتعلها ويحس بها أو الواردة لكانت بقدر الوارد وإن حرارة الماء الشديد السخونة لو كانت بانقلاب بعض أجزائه نارا من غير استحالة لفارقته تلك النارية صاعدة بطبعها أو انطفت ببرد الماء ورطوبته فلم يحس بها على إنك ستعرف في بحث الكون والفساد أن الماء لا يصير نارا لا بعد صيرورته هواء وحينئذ يتصعد بطريق البخار (قال والحق) قد سبقت إشارة إلى أن الحركة الوضعية عائدة إلى الحركة الأينية فههنا يريد نفي الحركة في الكم
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»