شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٣٥
وجوده من هذا القبيل فلا يثبت كون كل حادث مسبوقا بالزمان ولا يضرنا في استغنائه عن الزمان تسمية مثل هذا التقدم زمانيا على ما قال بعضهم أن التقدم الزماني على وجهين أحدهما أن يكون المتقدم حاصلا في زمان قبل زمان المتأخر كما بين الأب والابن وثانيهما أن يكون تحقق المتقدم قبل تحقق المتأخر من غير أن يكونا في زمان كما بين الأمس واليوم وقال بعضهم أن التقدم الزماني بالحقيقة هو الذي بين أجزاء الزمامان وإنما يعرض الغير بواسطته إذ لا معنى لتقدم الأب على الابن إلا تقدم زمانه على زمانه حتى لو أريد بالتقدم الحقيقي ما يستغنى عن الواسطة لم يتناول هذا القسم وحصر بعضهم التقدم في الذي بالعلية والذي بالطبع ذاهبا إلى أن التقدم بالرتبة والتقدم بالشرف راجعان إلى الزمان لأن معنى تقدم مكان على آخر أن زمان الوصول إليه قبل زمان الوصول إلى الآخر ومعنى تقدم الجنس على النوع أن زمان الأخذ والشروع في ملاحظته قبل زمان الأخذ في النوع ومعنى تقدم المعلم على المتعلم أن فيه صفة توجب تقدمه في المجلس أو في الشروع في الأمور فيعود إلى الزماني بوسط أو لا بوسط وأن التقدم الزماني راجع إلى التقدم بالطبع لأن السابق من الأجزاء المفروضة للزمان معد لوجود اللاحق وشرطا له كالحركة فالتقدم الحقيقي هو الذي بالعلية أو بالطبع والمعنى المشترك بينهما كون المتأخر محتاجا في تحققه إلى المتقدم من غير احتياج للمتقدم إليه إلا أن المتقدم في الذي بالعلية هو المفيد لوجود المتأخر ولا كذلك في الذي بالطبع والمعتبر هو العلة التامة أم الفاعلية فيه تردد فعلى الأول يكون المتقدم والمتأخر بالعلية متلازمين وجودا وعدما وعلى الثاني قد توجد ذات المتقدم بدون ذات المتأخر بأن ينتفي بعض شروط التأثر والمتقدم بالطبع لا يستلزم المتأخر وجودا بل عدما والمتأخر يستلزمه وجودا لا عدما وأما بالنظر إلى وصفي التقدم والتأخر فبين كل متقدم ومتأخر تلازم وجودا وعدما لكونها متضايفين لكن إذا اعتبرا من قسم واحد فإن تضايف المتقدم بالطبع مثلا إنما هو مع المتأخر بالطبع لا بالعلية أو الزمان أو الرتبة أو الشرف وعلى هذا قياس سائر الأقسام والمعنى المشترك بين التقدم بالعلية والتقدم بالطبع قد يقال له التقدم بالذات وقد يقال له التقدم بالطبع ويخص ما بالعلية باسم الذاتي وقد يسمى القدم بالطبع تقدما بالذات بمعنى أن المتقدم مقوم محتاج إليه باعتبار الذات والحقيقة دون مجرد الوجود كما في العلية فإن ذات الاثنين لا يتم ولا يعقل بدون الواحد ولا خفاء في أن هذا إنما هو في الجزء دون الشرط فالحكم ليس بكلي على ما يشعر به ظاهر عبارة المواقف قال ومن ههنا ترددوا قد اختلفت العبارات في أن مقولية التقدم والتأخر والمعية على الأقسام الخمسة أو الستة بحسب الاشتراك اللفظي بأن يكون موضوعا لكل على حدة أو بحسب التشكيك بأن يكون موضوعا بمعنى
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»