بثبوته الوهم وحكمه مردود كما في تحيز الباري حيث يحكم به الوهم بناء على أن ما يشاهد من الموجودات متحيزة وإنما يبتني على صحة الحكم بأن هذا متقدم على ذاك كقدم الحادث على وجوده ولا خفاء في أنه حكم عقلي ضروري والزمان معروض التقدم لا نفسه والجواب أن مبنى الأول على افتقار كل حادث إلى سبق حوادث متعاقبة وقد مر ما فيه ومبنى الثاني على ما ذهب إليه الفلاسفة من أن أقسام التقدم والتأخر والمعية منحصرة بحكم الاستقراء في خمسة بمعنى أن كلا منها يكون إما بالعلية كتقدم حركة اليد على حركة المفتاح وإما بالطبع كتقدم الجزء على الكل وإما بالزمان كتقدم الأب على الابن وإما بالشرف كتقدم المعلم على المتعلم وإما بالرتبة وهي قد تكون حسية بأن يكون الحكم بالترتيب وتقدم البعض على البعض مأخوذا من الحس لكونه في الأمور المحسوسة وقد تكون عقلية بأن يكون ذلك بحكم العقل لكونه في الأمور المعقولة وكل منهما قد يكون بحسب الطبع وقد يكون بحسب الوضع وذلك كتقدم الرأس على الرقبة وتقدم الإمام على المأموم وتقدم الجنس على النوع وتقدم بعض مسائل العلم على البعض ومعلوم أن تقدم عدم الحادث على وجوده ليس إلا بالزمان والمتكلمون منعوا الحصر وتمام الاستقراء ونقضوه بتقدم بعض أجزاء الزمان على البعض كتقدم الأمس على اليوم فإنه كما ليس بالعلية والطبع والرتبة والشرف ليس بالزمان لأن كلا من الأمس واليوم زمان لا أمر يقع في الزمان وما يقال في بيان الحصر من أن المتقدم والمتأخر إن لم يجتمعا في الوجود فهو بالزمان وإن اجتمعا فإن كان بينهما ترتيب بحسب الاعتبار فهو بالرتبة وإلا فإن لم يحتج المتأخر إلى المتقدم فبالشرف وإن احتاج فإن كان المتقدم مؤثرا في المتأخر فبالعلية وإلا فبالطبع أو أن المتقدم إن توقف وجود المتأخر عليه فبالعلية أو بالطبع كما ذكرنا وإن لم يتوقف فالتقدم إن كان بالنظر إلى كمال للمتقدم فبالشرف وإلا فإن كان بالنظر إلى مبدأ محدود فبالرتبة وإلا فبالزمان أو أن التقدم إما حقيقي يكون بحسب الأمر نفسه فلا يتبدل باعتبار المعتبر وإما اعتباري يقابله والأول إن كان بالنظر إلى الذات فبالطبع وإن كان بالنظر إلى الوجود فإن كان وجود المتأخر مشروطا بانقضاء وجود المتقدم فبالزمان وإلا فبالعلية والثاني يفتقر لا محالة إلى مبدأية الاعتبار فإن كان كمالا في المتقدم فبالشرف وإلا فبالرتبة فلا خفاء في أنه ليس إلا وجه ضبط مع أن التقدم بالطبع قد يكون بالنظر إلى الوجود كما في الشرط وأن التقدم بالزمان قد يكون للعدم دون الوجود وبعد تمام الوجود فالزماني بالمعنى الذي ذكر فيها شامل للتقدم الذي بين أجزاء الزمان والذي بين الأب والابن بواسطة الزمان فيكون من التقدم بغيرالعلية والطبع والرتبة والشرف تقدم لا يفتقر إلى زمان يقع فيه المتقدم والمتأخر فيجوز أن يكون تقدم عدم الحادث على
(١٣٤)