شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٣٢
عليه فيكون قائما بالفاعل فاسد لأنه معلل بالإمكان وعدمه بعدمه فيقال هذا مقدور لكونه ممكنا وذاك غير مقدور لكونه ممتنعا ولأنه لا يكون إلا بالقياس إلى القادر بخلاف الإمكان فإن قيل الدليل منقوض بالممكن القديم كالمواد والمجردات فإنها ممكنة ولا مادة لها قلنا إمكاناتها قائمة بها إذ ليس للقديم حالة ما قبل الوجود حتى يكون هناك إمكان يستدعي محلا غيره فإن قيل إمكان الشيء صفة له فلا يقوم إلا به ولو سلم قيامه بمحله كما في الصور والأعراض لم يكن ذلك إلا حال وجودهما والكلام فيما قبل الوجود قلنا سنورد من كلامهم ما يدفع هذا الإشكال والجواب أنه إن أريد بالإمكان الإمكان الذاتي اللازم لماهية الممكن فلا نسلم أنه وجودي بمعنى كونه أمرا محققا يستدعي محلا موجودا في الخارج وقد مر بيان ضعف أدلتهم على ذلك وإن أريد الإمكان الاستعدادي فلا نسلم أن كل حادث فهو قبل وجوده ممكن بالإمكان الاستعدادي لجواز أن يحدث من غير أن يكون هناك مادة وأمور معدة لها إلى وجود ذلك الحادث ولا يكون هذا من الانقلاب في شيء لأن المقابل للوجوب والامتناع هو الإمكان الذاتي لا الاستعدادي وفي قوله المخالف له إشارة إلى التغاير بين الإمكانين وذلك من وجوه أحدها أن الذاتي لا يقتضي رجحان الوجود أو العدم بل كلاهما بالنظر إليه على السواء والاستعدادي يقتضيه لأنه حالة مقربة للمادة إلى تأثير المؤثر فيها وإيجاد الحادث وثانيها أن الاستعدادي يتفاوت بالقرب والبعد فإن استعداد المضغة للإنسانية أقرب من استعداد العلقة وهو من النطفة وهو من المادة النباتية وهو من المعدنية وهو من العنصرية وهكذا حتى أن الهيولي الأولي أبعد الكل ولا كذلك الإمكان الذاتي فإنه لا يتصور تفاوت واختلاف في إمكان وجود الإنسان لماهيته وما يتوهم من تفاوته عند اعتبار التعلق بأمر خارج كإمكان وجود الإنسان لماهيته بالنظر إلى العلقة والمضغة مثلا فعائد إلى الاستعدادي وثالثها أن الذاتي اعتبار عقلي لا تحقق له في الأعيان بخلاف الاستعدادي فإنه كيفية حاصلة للشيء مهيئة إياه لإفاضة الفاعل وجود الحادث فيه كالصورة والعرض أو معه كالنفس مختلفة بالقرب والبعد والشدة والضعف بحسب حدوث شرط شرط وارتفاع مانع مانع مسماة بالقوة عند عدم الحادث زائلة عند وجوده ككون الجسم في أوساط الحيز عند الوصول إلى نهايته وهل ذلك الزوال بواجب فيه تردد قال فإن قيل اعلم أن للفلاسفة في التقصي عن هذاالإشكال وجهين أحدهما أن المراد الإمكان الذاتي ومعنى كون إمكان الحادث قبل وجوده وجوديا تعلقه بموضوع موجود في الخارج وتقريره أن الإمكان لا محالة يكون بالقياس إلى وجود والوجود إما بالذات كوجود البياض في نفسه وإما بالعرض كوجود الجسم أبيض أما الإمكان بالقياس إلى وجود بالعرض وهو إمكان أن يوجد شيء شيئا آخر أو يوجد له شيء آخر كالبياض للجسم والصورة للمادة
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»