شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٢٤
قد تتعلق بالفعل أو الترك من غير مرجح فليس من ترجح الممكن بلا مرجح بل من ترجيح المختار أحد المتساويين من غير مرجح ونحن لا نقول بامتناعه فضلا عن أن يكون ضروريا وإلى هذا يستند عندنا اختلاف حركات الكواكب ومواضعها وأوضاعها وأما الفلاسفة القائلون بالإيجاب دون الاختيار فلا يلتزمون وقوع تلك الاختلافات والاختصاصات بلا سبب بل يعترفون باستنادها إلى أسباب فاعلية لا اطلاع على تفاصيلها ففي الجملة لم يقل أحد ممن يعتد به بوقوع الممكن بلا سبب قال والاستدلال القائلون بأن الحكم بامتناع الترجح بلا مرجح كسبي استدلوا عليه بوجهين الأول أن الإمكان يستلزم تساوي الوجود والعدم بالنسبة إلى ذات الممكن وهذا معنى اقتضاء ماهية الممكن لتساوي الطرفين ووقوع أحدهما بلا مرجح يستلزم رجحانه وهما متنافيان والجواب أن التساوي بالنظر إلى الذات إنما ينافي الرجحان بحسب الذات وهو غير لازم فإن قيل الترجح إذا لم يكن بالغير كان بالذات ضرورة أنه لا ثالث قلنا نفس المتنازع لجواز أن يقع بحسب الاتفاق من غير سبب الثاني أن الممكن مالم يترجح لم يوجد وترجحه أمر حدث بعد أن لم يكن فيكون وجوديا ولا بد له من محل وليس هو الأثر لتأخره عن الترجح فيكون هو المؤثر لعدم الثالث فلا بد منه والجواب أن الترجح مع الوجود لا قبله إذ لا يتصور رجحان الوجود مع كون الواقع هو العدم ولو سلم فقيام ترجح وجود الممكن أو عدمه بالمؤثر ضروري البطلان والمذكور في كلام الإمام مكان الترجح الوجوب وهما متلازمان بناء على أن أحد الطرفين يمتنع وقوعه مع التساوي فكيف مع المرجوحية فالراجح لا يكون إلا واجبا وهذا الوجوب متقدم على الوجود على ما سيجيء من أن وجود الممكن محفوف بوجوبين سابق ولاحق وهو نسبة بين المؤثر والأثر يسمى من حيث الإضافة إلى المؤثر إيجابا وإلى الأثر وجوبا فمنع سبقه على الوجود وكونه وصفا للمؤثر ليس بسديد سيما وقد قال الإمام في المباحث المشرقية أنه على تقدير كونه ثبوتيا فمعنى عروضه للمؤثر أنه يصير محكوما عليه بوجوب أن يصدر عنه ذلك الأثر فالأولى منع كونه أمرا محققا مفتقرا إلى ما يقوم به في الخارج بل هو أمر عقلي قائم بالمتصور من الممكن عند الحكم بحدوثه قال ومن أقوى شبه المنكرين ذكر الإمام من جانب المنكرين لامتناع وقوع الممكن بلا سبب كذيمقراطيس وأتباعه القائلين بأن وجود السماوات بطريق الاتفاق شبها منها أنه لو احتاج الممكن إلى مؤثر فتأثيره فيه إما أن يكون حال وجوده وهو إيجاد للموجود وتحصيل للحاصل أو حال عدمه وهو جمع بين النقيضين أعني العدم الذي كان والوجود الذي حصل وما ذكر في المواقف من أن كون التأثير حال العدم باطل لأنه جمع بين النقيضين ولأن العدم نفي صرف فلا يصلح أثرا ولأنه مستمر فلا يستند إلى مؤثر الوجود ليس على ما ينبغي لأن الكلام في التأثير بمعنى الإيجاد وإلا لما صح أن التأثير حال الوجود
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»