شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٢٩
والوجود ليسا أمرين متميزين في الخارج يتوقف أحدهما على الآخر ولو كان فالوجوب صفة للوجود فيكون متأخرا عنه لا متقدما أو في الوجود الذهني وهو أيضا باطل لظهور أنه لا يتوقف تعقل الوجود على تعقل الوجوب بل ربما يكون بالعكس قلنا المراد السبق بمعنى الاحتياج في اعتبار العقل عند ملاحظة هذه المعاني واعتبار الترتيب فيما بينهما فإنه يحكم قطعا بأنه مالم يتحقق علة الممكن لم يجب هو وما لم يجب لم يوجد فإن قيل حكم العقل بهذا الترتيب باطل لأنه لا وجوب بالنسبة إلى العلة الناقصة بل التامة والوجوب إذا كان مما يتوقف عليه الوجود كان جزأ من العلة التامة فيكون متقدما عليها لا متأخرا قلنا جزء العلة التامة ما يتوقف عليه المعلول في الخارج لا في اعتبار العقل ولو سلم فالوجوب يعتبر بالنسبة إلى علة ناقصة هي جميع ما يتوقف عليه الوجود سوى الوجوب فإن قيل ما ذكرتم من كون وجود الممكن مسبوقا بالوجوب لا يصح فيما يصدر عن الفاعل بالاختيار لأن الوجوب ينافي الاختيار وحينئذ ينتقض دليلكم قلنا إذا كان الاختيار من تمام العلة لم يتحقق الوجوب إلا بعد تحقق الاختيار وكون المعلول واجبا بالاختيار لا ينافي كونه مختارا بل يحققه قال المنهج الثالث في القدم والحدوث والمتصف بها حقيقة هو الوجود وأما الموجود فباعتباره وقد يتصف بهما العدم فيقال للعدم الغير المسبوق بالوجود قديم وللمسبوق حادث ثم كل من القدم والحدوث قد يوجد حقيقيا وقد يوجد إضافيا أما الحقيقي فقد يراد بالقدم عدم المسبوقية بالغير وبالحدوث المسبوقية به ويسمى ذاتيا وقد يخص الغير بالعدم فيراد بالقدم عدم المسبوقية بالعدم وبالحدوث المسبوقية به وهو معنى الخروج من العدم إلى الوجود ويسمى زمانيا وهذا هو المتعارف عند الجمهور وأما الإضافي فيراد بالقدم كون ما مضى من زمان وجود الشيء أكثر وبالحدوث كونه أقل فالقدم الذاتي أخص من الزماني والزماني من الإضافي بمعنى أن كل ما ليس مسبوقا بالغير أصلا ليس مسبوقا بالعدم ولا عكس كما في صفات الواجب وكل ما ليس مسبوقا بالعدم فما مضى من زمان وجوده يكون أكثر بالنسبة إلى ما حدث بعده ولا عكس كالأب فإنه أقدم من الابن وليس قديما بالزمان والحدوث الإضافي أخص من الزماني والزماني من الذاتي بمعنى أن كل ما يكون زمان وجوده الماضي أقل فهو مسبوق بالعدم ولا عكس وكل ما هو مسبوق بالعدم فهو مسبوق بالغير ولا عكس قال لا قديم بالذات سوى الله تعالى لما سيأتي من أدلة توحيد الواجب وما وقع في عبارة بعضهم أن صفات الله تعالى واجبة أو قديمة بالذات فمعناه بذات الواجب بمعنى أنها لا تفتقر إلى غير الذات وأما القديم بالزمان فجعله الفلاسفة شاملا لكثير من الممكنات كالمجردات والأفلاك وغير ذلك على ما سيأتي والمتكلمون منا لصفات الله تعالى فقط حيث يبنوا أن ما سوى ذات الله تعالى وصفاته حادث بالزمان وأما المعتزلة فقد بالغوا في التوحيد فنفوا القدم الزماني أيضا عما سوى ذات الله تعالى
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»