شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٢٨
شروطه وموانعه وكثرة اتفاق أسبابه فهذه أولوية بالغير لا بالذات وهو ظاهر وإن أريد أن الممكن قد يكون بحيث إذا لاحظه العقل وجد فيه نوع اقتضاء للوجود أو العدم لا إلى حد الوجوب ليلزم كونه واجبا أو ممتنعا فلا يظهر امتناعه واستدل الجمهور على امتناعه بوجوه الأول أنه لو كان أحد الطرفين أولى بالممكن نظر إلى ذاته فمع تلك الأولوية إما أن يمتنع وقوع الطرف الآخر فيكون الطرف الأولي واجبا لذات الممكن فلا يكون ممكنا بل واجبا أو ممتنعا هذا خلف وإما أن يمكن وحينئذ فوقوعه إما أن يكون بلا سبب يرجحه فيلزم ترجح المرجوح أعني الطرف الغير الأولي أو يكون بسبب يفيد رجحانه فيكون وقوع الطرف الأولي متوقفا على عدم ذلك السبب فلا يكون أولى بالنظر إلى ذات الممكن بل مع عدم ذلك السبب هذا خلف والجواب أنه لا يلزم من توقف الوقوع على أمر توقف الأولوية عليه حتى يلزم كونها غير ذاتية وذلك لأن التقدير أن المراد بها رجحان ما لا إلى حد الوجوب الثاني أن الممكن يقتضي تساوي الوجود والعدم بالنظر إلى ذاته لما أن كلا منهما لا يكون إلا بالغير فلو اقتضى أحدهما لذاته لزم اجتماع المتنافيين أعني اقتضاء التساوي ولا اقتضاءه والجواب أنا لانم أن الممكن يقتضي تساوي الطرفين بل لا يقتضي وقوع أحدهما وهو لا ينافي اقتضاء أحدهما لا إلى حد الوجوب والوقوع على ما هو المراد بالأولوية الثالث أنه لو كان أحد الطرفين أولى لذات الممكن فإما أن يمكن زوال تلك الأولوية بسبب أو لا فإن أمكن لم تكن الأولوية ذاتية لتوقفها على عدم ذلك السبب ولأن ما بالذات لا يزول بالغير وإن لم يمكن كان الطرف الأولي ضروريا لذات الممكن فلم يكن ممكنا بل واجبا إن كان هو الوجود وممتنعا إن كان هو العدم والجواب أنه لا يلزم من امتناع زوال أولوية الوجود أو العدم بالمعنى الذي ذكرنا وقوعه فضلا عن كونه ضروريا ليلزم وجوب الممكن أو امتناعه وذلك لأنه يجوز أن يقتضي ذات الممكن الوجود اقتضاء مالا إلى حد الوجوب والوقوع ويقع العدم باقتضاء أسباب خارجية تنتهي إلى حد الوجوب والوقوع أو بالعكس وتكون ا لأولوية الذاتية بحالها باقية غير زائلة قال إذ لا بد من ذلك يعني أنه لا يكفي في الوقوع مجرد الأولوية بل لا بد من انتهائها إلى حد الوجوب بأن يصير الطرف الآخر ممتنعا بالغير إذ لو جاز وقوعه أيضا لكان وقوع الطرف الأول تارة ولا وقوعه أخرى مع استواء الحالين حيث لم يوجد إلا مجرد الأولوية ترجحا بلا مرجح فالممكن يجب صدوره عن العلة ثم يوجد وهذا وجوب سابق وبعدما وجد يمتنع عدمه ضرورة امتناع الوجود والعدم وهذا وجوب لاحق يسمى الضرورة بشرط المحمول فإن قيل سبق الوجوب على الوجود غير معقول أما بالزمان فظاهر وأما بالذات بمعنى الاحتياج إليه فلأنه إما أن يراد الاحتياج في الوجود العيني وهو باطل لأن الوجوب
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»