شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١١٧
والظاهر أن من اشترط ذلك أراد بالإمكان الاستقبالي إمكان حدوث الوجود وطريانه في المستقبل وهو إنما يستلزم إمكان عدم الحدوث لا إمكان حدوث العدم ليلزم اشتراط الوجود في الحال بل لو اعتبر الإمكان الاستقبالي في جانب العدم بمعنى إمكان طريان العدم وحدوثه يشترط الوجود في الحال من غير لزوم محال قال وقد يعتبر إشارة إلى الإمكان الاستعدادي وهو تهيؤ المادة لما يحصل لها من الصور والأعراض بتحقق بعض الأسباب والشرائط بحيث لا ينتهي إلى حد الوجوب الحاصل عند تمام العلة ويتفاوت شدة وضعفا بحسب القرب من الحصول والبعد عنه بناء على حصول الكثير مما لا بد منه أو القليل كاستعداد الإنسانية الحاصل للنطفة ثم للعلقة ثم للمضغة وكاستعداد الكتابة الحاصل للجنين ثم للطفل وهكذا إلى أن يتعلم وهذا الإمكان ليس لازما للماهية كالإمكان الذاتي بل يوجد بعد العدم بحدوث بعض الأسباب والشرائط ويعدم بعد الوجود لحصول الشيء بالفعل قال وعروض الإمكان يعني أن الماهية إذا أخذت مع وجودها أو وجود علتها كانت واجبة بالغير وإذا أخذت مع عدمها أو عدم علتها كانت ممتنعة بالغير وإنما يعرض لها الإمكان الصرف إذا أخذت لا مع وجودها أو عدمها أو وجود علتها أو عدمها بل اعتبرت من حيث هي هي واعتبرت نسبتها إلى الوجود فحينئذ يحصل من هذه المقايسة معقول هو الإمكان فالإمكان ينفك عن الوجوب بالغير والامتناع بالغير بحسب التعقل بأن لا يلاحظ للماهية ولا لعلتها وجود أو عدم لا بحسب التحقق في نفس الأمر لأن كل ممكن فهو إما موجود فيكون واجبا بالغير أو معدوم فيكون ممتنعا بالغير اللهم إلا على رأي من يثبت الواسطة قال والغيريان يعني أن الوجوب بالغير والامتناع بالغير يتشاركان في اسم الضرورة إلا أن الأول ضرورة الوجود والثاني ضرورة العدم وهذا معنى تقابل المضاف إليه وإذا أخذ الوجوب والامتناع متقابلي المضاف إليه بأن يضاف أحدهما إلى الوجود والآخر إلى العدم صدق كل منهما على ما صدق عليه الآخر بطريق الاشتقاق بمعنى أن كل ما يجب وجوده بالغير يمتنع عدمه بالغير وبالعكس وكل ما يجب عدمه بالغير يمتنع وجوده بالغير وبالعكس وإذا أضيف كل منهما إلى الوجود أو إلى العدم امتنع صدق أحدهما على الآخر إذ لا شيء مما يجب وجوده يمتنع وجوده ولا شيء مما يجب عدمه يمتنع عدمه وهو ظاهر فبينهما لمنع الجمع دون الخلو إذ لا يصدق شيء منهما على الواجب بالذات أو الممتنع بالذات لكن جزء هذه المنفصلة المانعة الجمع أعني قولنا إما أن يكون الشيء واجبا بالغير أو ممتنعا بالغير مما يجوز انقلاب أحدهما إلى الآخر بأن ينعدم الموجود الواجب بالغير لانتفاء علته فيصير ممتنعا بالغير ويوجد الممتنع المعدوم بالغير لحصول علته فيصير واجبا بالغير بخلاف الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي فإن بينهما أيضا منع الجمع ضرورة امتناع كون الشيء واجبا
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»