والزندقة، ونحن لنا الحق شرعا أن نرد السيئة بسيئة بمثلها، ولكننا لن نلجأ لتبديع أحد أو تفسيقه أو تكفيره، ليس لبراءته، ولكن لأنه لا يستحق أن ينسب له شيئا من هذا لضعفه وتقليده، فلا يقال للجاهل المقلد مبتدعا، لأنه أقل من أن يقال عنه ذلك، فالمبتدع غالبا يكون صاحب بحث وعلم وابتكار واختيار، أما هؤلاء فلا أدب ولا فضيلة، ولا علم، ولا مروءة، وهم تبع لمتعصبي المتقدمين، فإن وجدوا بعض متقدميهم ارتكبوا شيئا ارتكبوه، وإن وجدوا هؤلاء ابتدعوا تبعوهم، يحلون ما أحله هؤلاء، ويحرمون ما حرموه، كحال عوام اليهود والنصارى مع أحبارهم ورهبانهم (وتذكروا حديث عدي بن حاتم)، وهم مع شدة أتباعهم لهؤلاء من أبعد الناس عن العودة لنصوص الكتاب والسنة، ومن يحسبني مبالغا فليفتشهم بنفسه وسيجد أن غاية ما معهم قال فلان وقال فلان، أما قول الله عز وجل وقول رسوله (صلى الله عليه وسلم) فلا يلتفتون إليه، إذا التفت إليه فلان، وإذا فهمه فلان فهما خاطئا، أو حرف المعنى فهو له تبع، فهل هؤلاء يستحقون الوصف بالبدعة؟!
كلا فالبدعة أرفع من هؤلاء، وإنما البلاء في بعض من يقلدونهم من غلاة المتقدمين، الذين أوقعوهم في التكفير والتبديع، فعلينا دراسة هؤلاء المتقدمين فإن ثبت بدعة بعضهم أو غلوة تبعه جيشه، أما أن نحكم على الغوغاء ونترك متقدميهم وقدوتهم من أهل البدع والتعصب والغلو من المكفرين والمبدعين، فهذا علاج للنتيجة وترك لأسبابها، فإذا رأيت أوراق الشجرة تجف فاعلم أن السبب في هذا الجفاف هو جفاف الجذر، وإذا حاولت أن تسقي الأوراق فلن تنتفع بالماء، كما أن الأوراق لا يضاف إليها مدح الاخضرار ولا ذم الاصفرار!! (49).