جميع الموارد ورافع للإشكال في مجال الجبر، وأن من أعضل الموارد في الجبر والاختيار، هي تحليل كيفية تعلق إرادته بأفعال العباد وأنه: هل يوجب الجبر ويسلب الاختيار، باعتبار أن إرادته لا تنفك عن المراد، أم لا؟ لأن إرادته تعلقت بصدور أفعالهم عن أنفسهم عن مبادئها المكونة فيهم وهي إرادتهم واختيارهم، فلو صدرت عنهم بلا هذه الخصوصية لزم انفكاك إرادته عن مراده.
ولما استشكل هذا المطلب على بعضهم انصرفوا إلى إخراج أفعال العباد عن إطار إرادته سبحانه، وإنما تتعلق بالكائنات دون أفعالهم، وهو كما ترى، لأنه يستلزم تحقق شئ في صحيفة الوجود بغير إذنه وإرادته، مع أن مقتضى التوحيد في الخالقية انتهاء كل ما في عالم الإمكان إلى وجوده وخالقيته، وبالتالي إلى إرادته، فإخراج أفعال العباد عن مجال إرادة الله، يخالف الأسس التوحيدية التي جاء بها القرآن ودعمها العقل.
إلا أن في مسألة العصمة وكيفية تعلق إرادته تعالى بعصمة المعصوم تحليلا آخر يختص بهذا المقام ولا يتعداه.
وحاصل هذا التحليل يتوقف على معرفة كيفية العصمة وحقيقتها، فنقول:
إن حقيقة العصمة ترجع إلى الدرجة العليا من التقوى، بمعنى أن التقوى إذا بلغت قمتها تعصم الإنسان عن اقتراف الذنب وجميع القبائح.
وإن شئت قلت: العصمة نتيجة العلم القطعي الثابت والعرفان بعواقب المعصية علما يصد الإنسان عن اجتراح المعاصي واقتراف ألم آثم، كالإنسان الواقف أمام الأسلاك التي يجري فيها التيار الكهربائي، فإنه لا يقدم بنفسه على إمساكها.