مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٢١١
وعلى ذلك فالله سبحانه وإن أراد طهارتهم عن الذنوب بالإرادة التكوينية ولكن تلك الإرادة تعلقت بها، لما علم سبحانه أنهم بما زودوا من إمكانات ذاتية ومواهب مكتسبة نتيجة تربيتهم وفق مبادئ الإسلام، لا يريدون إلا ما شرع لهم سبحانه من أحكام، فهم لا يشاءون إلا ما يشاء الله، وعند ذلك صح له سبحانه أن يخبر بأنه أراد تكوينا إذهاب الرجس عنهم، لأنهم عليهم السلام ما داموا لا يريدون لأنفسهم إلا الجري على وفق الشرع لا يفاض عليهم إلا هذا النوع من الوصف.
وحصيلة الكلام: أن مبنى الإشكال هو الغفلة عن كيفية تعلق إرادته سبحانه بأفعال العباد حيث توهم المستشكل:
أولا: إن أفعال العباد خارجة عن إطار الإرادة التكوينية لله سبحانه، وغفل عن أن هذا النوع من الاعتقاد يساوق الشرك ويصادم التوحيد.
وثانيا: إن سبق الإرادة التكوينية على أفعال العباد يستلزم سلب الاختيار عنهم، وغفل عن أن إرادته سبحانه إنما تتعلق بتوسط إرادة العباد واختيارهم، فهم إذا أرادوا لأنفسهم شيئا، فالله سبحانه يريد ذلك الشئ لهم تكوينا، وليس في ذلك أية رائحة للجبر، بل هو الأمر بين الأمرين.
وعندئذ يكون المراد من تطهيرهم - بعد تجهيزهم بإدراك الحق في الاعتقاد والعمل، وإعطائهم البصيرة الكاملة لمعرفة الحق في مجال الاعتقاد والعمل - تعلق إرادته التكوينية بطهارتهم من الذنوب، لأجل تعلق إرادتهم بذلك، فقد تعلقت إرادته سبحانه بتنزيههم عن طريق إرادتهم واختيارهم، وأين هذا من الجبر؟
* تفسير آخر للإرادة التكوينية ما ذكرناه في كيفية تعلق إرادته سبحانه بأفعال العباد، جواب عام سار في
(٢١١)
مفاتيح البحث: الغفلة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»