وبعبارة ثالثة: العصمة: الاستشعار بعظمة الرب وكماله وجلاله استشعارا منقطع النظير حيث يحدث في المستشعر التفاني في الحق، والعشق لجماله، وكماله، بحيث لا يستبدل برضاه شيئا.
فإذا كانت حقيقة العصمة نفس هذه الحقائق أو قريبا منها، فليس اتصاف الإنسان بهذه الحقائق موجبا للجبر وسالبا للاختيار، بل المعصوم مع هذه المواهب الإلهية قادر على اقتراف المعاصي وارتكاب الخطايا غير أنه لأجل حصوله على الدرجة العليا من التقوى، والعلم القطعي بآثار المعاصي والاستشعار المنقطع النظير بعظمة الخالق، يختار الطاعة وترك المعصية مع القدرة على خلاف ذلك، فحاله كالوالد العطوف لا يقدم على قتل ولده ولو أعطيت له الكنوز الكثيرة.
إن هذه الحقائق الموهوبة للمعصوم أشبه بحبل يلقى إلى الغارق في البحر والساقط في البئر حتى يتمسك به وينجي نفسه، فلا شك أن العاقل يتمسك به دائما وينجي نفسه، ولكن هذا العمل لا يخالف قدرته على ترك التمسك به وإلقاء نفسه في مهاوي الهلكة.
فهذه الحقائق النفسانية الموهوبة ليست إلا أسبابا لترك العصيان ومقتضيات للطاعات، ومعدات لقرب العبد من ربه، ومع ذلك تتوسط بينها وبين فعل العبد من طاعة أو عصيان، إرادته واختياره، فليست هذه المواهب عللا تامة لتوجه العبد إلى جانب واحد وانحيازه عن جانب آخر، بل هي أسباب مقربة ومعدات للإرادة، ومع ذلك كله فاختيار المعصوم وإرادته باقيان على حالهما.
فمعنى تعلق إرادته سبحانه بعصمتهم ليس تعلقها بالطاعة وترك العصيان، بل معناه تعلق إرادته التكوينية بإفاضة هذه المواهب عليهم وجعلها في