مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) - الشيخ جعفر السبحاني - ج ١٠ - الصفحة ٢٠٩
وتنفك أخرى، فلو تكونت في نفسه مبادئ الخوف والرجال لقام به وإلا فلا يقوم به ولا تتحقق الغاية لكن تتم عليه الحجة.
وعلى ذلك فما اشتهر على الألسن من أن الإرادة التشريعية عبارة عن تعلق إرادة الآمر بفعل الغير تسامح في التعبير ومن باب إقامة الغاية مكان ذيها.
والذي يوضح ذلك: أن إرادته سبحانه لا تنفك عن مراده، ومن المستحيل أن يخاطب شيئا ب‍ " كن " ولا يتحقق، ولسعة قدرته وعموميتها، قال سبحانه:
* (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * (1)، فلو تعلقت إرادته بفعل العباد كالصلاة والصوم لما انفك عنهم ولو تعلقت على إيمانهم وهدايتهم، لما وجد على أديم الأرض عاص ومتمرد، قال سبحانه: * (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) * (2)، وتكون نتيجة ذلك كونهم مجبورين في قبول الهداية، ومضطرين إلى الطاعة، فلا يقام لمثلها وزن ولا قيمة، وهذا يعرب بوضوح عن أن متعلق إرادته في مجال التشريع هو فعل نفس المشرع وهو التشريع، وهو بعد غير منفك عن إرادته، موجود معها.
* السؤال الثاني: هل الإرادة التكوينية توجب سلب الاختيار؟
لو كانت الإرادة في المقام إرادة تكوينية فبما أن إرادته سبحانه لا تتخلف عن المراد فلازمها هنا كون طهارتهم وابتعادهم عن الرجس أمرا جبريا لا يتخلف، وهذا لا يعد فضيلة وثناء لأهل البيت مع أن الآية بصدد الثناء عليهم.
وقد أجاب عنه المحققون على وجه الإجمال وقالوا: إن القدرة والتمكن من فعل المعصية ثابت للمعصوم، والعصمة مانع شرعي، ولا منافاة بين عدم القدرة الشرعية والقدرة الذاتية، وهذا الجواب بإجماله كاف لأهل التحقيق ولكن يحتاج

(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»