تعريف التشريعية منها بتعلقها بفعل الغير غير صحيح قطعا، وذلك لأن الإرادة لا تتعلق إلا بأمر اختياري وهو فعل المريد، وأما فعل الشخص الآخر، فهو بما أنه خارج عن اختيار المريد، لا تتعلق به إرادته، وكيف يصح لشخص أن يريد صدور فعل من الغير مع أن صدوره منه تابع لإرادة ذلك الغير وليس تابعا لإرادة المريد الآخر؟
وإن شئت قلت: إن زمام فعل الفاعل المختار بيد الفاعل المباشر، فلو أراده لقام به. ولو لم يرده لما قام به وليس زمامه بيد الآمر، حتى يريده منه جدا ولا تصيره إرادة الآمر مسلوب الاختيار ولا تجعله مضطرا مقهورا مسخرا في مقابل إرادة الآمر، لأن المفروض أن الفاعل بعد، فاعل مختار، ومن هذا شأنه لا تتعلق بفعله، إرادة الغير الجدية، لأن معنى تعلقها بفعل الغير أنه في اختيار المريد ومتناوله، ويوجد بإرادته وينتفي بانتفائه، مع أنه ليس كذلك وإنما يوجد بإرادة الفاعل المباشر وينتفي بانتفاء إرادته، ولا ملازمة بين إرادة الآمر وإرادة المأمور ولأجل ذلك كثيرا ما يعصى ويخالف.
وفي الجملة: ليست ماهية الإرادة التشريعية أمرا يخالف ماهية الإرادة التكوينية، بل الكل من واد واحد تختلفان في الاسم وتتحدان في الماهية، والجميع يتعلق بفعل نفس المريد، غير أن المراد فيهما مختلف حسب الاعتبار، وهو في التكوينية، عبارة عن الفعل الخارجي الصادر عنه مباشرة، كالتكوين والتصنيع، سواء كان المريد هو الله سبحانه أم أحد عباده القادرين على الأفعال الخارجية بإقداره، ولكنه في التشريعية عبارة عن نفس الطلب والإنشاء بالإيماء والإشارة واللفظ والكتابة، وهو أيضا فعل المريد الواقع في اختياره، وأما قيام الغير بالمطلوب فهو من غايات إرادة المريد ومقاصده وأغراضه، وهي تترتب تارة،