مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٧ - الصفحة ٢٤٣
كما إن المقر بالشهادتين التارك للعمل بالكلية لا يستحق على الله تعالى ذلك، لعدم صحة إيمانه والحال هذه.
وعلى هذا تنزل الأخبار القائلة بأن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) بدون عمل لا تنفع، وأن المطيع لله هو وليهم، والعاصي لله هو عدوهم، وأن ولايتهم لا تنال إلا بالعمل والورع.
ويكون المقصود من ذلك إبطال مذهب المرجئة من الشيعة الذاهبين إلى أن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) مغنية عن العمل، موجبة بنفسها لدخول الجنة، والنجاة من النار، وأصلها مقالة الغلاة (1) لعنهم الله، وتابعهم فيها غيرهم من أهل التشيع، فأراد الأئمة (عليهم السلام) بيان بطلانها، لبطلان قول المرجئة من العامة (2)، وهذه المقالة بعينها موافقة لمقالة النصارى في

(١) الغلاة: هم الذين غلوا في حق أئمتهم (عليهم السلام) حتى أخرجوهم من حدود الخليقة، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، فربما شبهوا واحدا من الأئمة بالإله، وربما شبهوا إلاله بالخلق، وهم على طرفي الغلو والتقصير. فرق الشيعة - للنوبختي -: ١٧٣.
وقال العلامة المجلسي (رحمه الله): إعلم أن الغلو في النبي والأئمة إنما يكون بالقول بألوهيتهم، أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية، أو في الخلق والرزق، أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى، أو بالقول في الأئمة (عليهم السلام) أنهم كانوا أنبياء، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترك المعاصي، وقد عرفت أن الأئمة (عليهم السلام) تبرؤوا منهم، وحكموا بكفرهم، وأمروا بقتلهم. بحار الأنوار ٢٥ / ٣٣٦.
(٢) المرجئة: فرقة من المخالفين، يعتقدون بأن المعصية لا تضر مع الإيمان، ولا تنفع مع الكفر طاعة، وسموا بهذا الاسم لأنهم قالوا: إن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي، أي: أخره.
وهم ثلاثة أصناف: صنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان، وبالقدر على مذاهب القدرية والمعتزلة. وصنف منهم قالوا بالإرجاء بالإيمان وبالجبر في الأعمال، على مذهب جهم بن صفوان، فهم من جملة الجهمية. وصنف منهم خارجون عن الجبرية والقدرية يكفر بعضهم بعضا وهم خمس فرق:
أ - اليونسية: وهم أتباع يونس بن عون، الذي زعم أن الإيمان في القلب واللسان، وأنه هو المعرفة بالله تعالى، والمحبة والخضوع له بالقلب، والإقرار باللسان أنه واحد ليس كمثله شئ، ما لم تقم حجة الرسل عليهم، فإن قامت عليهم حجتهم لزمهم التصديق لهم، ومعرفة ما جاء من عندهم في الجملة من الإيمان، وليست معرفة تفصيل ما جاء من عندهم إيمانا ولا من جملته.
ب - الغسانية: وهم أتباع غسان المرجئ، الذي زعم أن الإيمان هو الإقرار أو المحبة لله تعالى وتعظيمه وترك الاستكبار عليه.
ج - التومنية: وهم أتباع أبي معاذ التومني، الذي زعم أن الإيمان ما عصم من الكفر، وهو اسم لخصال من تركها أو ترك خصلة منها كفر، ومجموع تلك الخصال إيمان، ولا يقال للخصلة منها: إيمان، ولا بعض إيمان.
د - الثوبانية: وهم أتباع أبي ثوبان المرجئ، الذي زعم أن الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسله وبكل ما يجب في العقل فعله، وما جاز في العقل أن لا يفعل فليست المعرفة من الإيمان.
ه‍ - المريسية: وهم أتباع بشر المريسي، وهؤلاء مرجئة بغداد، وكان يقول في الإيمان: إنه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا، كما قال ابن الراوندي: إن الكفر هو الجحد والإنكار، وزعما أن السجود للصنم ليس بكفر، ولكنه دلالة على الكفر.
فهؤلاء الفرق الخمس هم المرجئة الخارجة عن الجبر والقدر.
أنظر: الفرق بين الفرق: 202.
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 248 249 ... » »»
الفهرست