مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٥٧ - الصفحة ٢٤٦
* والثالث: ينزل عليه قول الأئمة (عليهم السلام): " إن من شيعتنا من لا تناله شفاعتنا إلا بعد عشرة آلاف عام "، وفي بعضها أكثر من ذلك.
* والرابع: مقتضى القاعدة الكلامية التي اتفق على صحتها علماء الإمامية، وأيدها من السمع مثل قوله تعالى: * (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * (1)، وقوله جل وعلا: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (2)..
وهي: إن من كان من المكلفين له ثواب وعليه عقاب، لم يسقط عنه بمسقط من تفضل من الله أو شفاعة أو غيرهما، فالواجب الابتداء بمعاقبته.. فإذا انتهى مقدارها أدخل الجنة ليكون الثواب له خالصا من شوائب الكدر، ولا يحبط عمله ويكون مخلدا في النار، كما ذهب إليه المعتزلة ومن ضارعهم (3)..

(١) سورة البقرة ٢: ٢٨٦.
(٢) سورة الزلزلة ٩٩: ٧ و ٨.
(٣) الإحباط تعريفه في اللغة: هو من عمل عملا ثم أفسده، والله أحبطه. لسان العرب ٧ / 272 مادة " حبط ".
قال الحسني: وفي تعريف الفقهاء المتكلمين: أن يكون أحد العملين مسقطا وماحيا لآثار العمل السابق، فكما يسقط الثواب بالمعاصي، كذلك يسقط العقاب بما يفعله الإنسان من الطاعات والخيرات، وهو أن يكون المتأخر ماحيا للمتقدم من خير أو شر، وهذه المسألة من المسائل التي اختلفت فيها آراء الفرق الإسلامية.
فالمعتزلة يدعون أن الإنسان إذا عبد الله طول حياته، وفعل معصية من المعاصي التي تسمى كبيرة في عرف الفقهاء تبطل جميع أعماله السابقة، وقد وافقهم على ذلك الخوارج.
أما الأشاعرة فقد أنكروا الإحباط، لأنهم يدعون أنه لا يجب على الله ثواب المطيعين ولا عقاب العاصين، وله أن يعذب المطيع ويعاقب العاصي.
وأما المرجئة فقد وافقوا المعتزلة على مبدأ الإحباط، ولكن الإيمان بالله عندهم يحبط جميع المعاصي مهما بلغت، وجميع المعاصي لا تحبط الإيمان، وذلك عملا بالمبدأ العام الذي ترتكز عليه فكرة الإرجاء: " لا تضر مع الإيمان معصية، ولا تنفع مع الكفر طاعة ".
أما الإمامية فقد أنكروا الإحباط، لقوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *، هذا بالإضافة إلى أن الإحباط يؤدي إلى عدم الوفاء بالوعد والوعيد، لأنه تعالى قد وعد المطيعين بالثواب، وتوعد العاصين بالعقاب، ولازم الإحباط عدم الثواب على الطاعات.
أنظر: الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة: 2143 - 215.
قال المعتق في " المعتزلة وأصولهم الخمسة " - ص 249 -:
لقد اختلف المعتزلة في الإحباط على أقوال، أهمها ما يلي:
الأول: رأي الجمهور منهم، الذين يرون أن الإنسان إذا عبد الله طول حياته ثم ارتكب كبيرة من الكبائر، فإنها تبطل جميع أعماله السابقة.
يقول القاضي عبد الجبار: "... إن ما يستحقه المرء على الكبيرة من العقاب يحبط ثواب طاعاته... ".
الثاني: رأي أبي علي الجبائي - من متأخري المعتزلة - الذي يرى أن الطاعات السابقة على المعاصي يسقط منها بمقدار المعاصي، وتبقى المعاصي على حالها، فمثلا من أطاع عشرين مرة، وعصى عشر مرات، يسقط من طاعاته بمقدار معاصيه، وتبقى معاصيه على حالها، ولو زادت معاصيه على طاعاته، فإنها تذهب طاعاته بكاملها وتبقى معاصيه.
الثالث: رأي أبي هاشم، الذي ذهب إلى أن الإحباط يكون من الطرفين، فكما تحبط الطاعات المعاصي، كذلك تحبط المعاصي الطاعات، فمثلا: من أطاع عشرا وعصى عشرين، فإنه تذهب طاعاته بما يقابلها من المعاصي، ولا يبقى عليه سوى الزائد من معاصيه.
يقول القاضي عبد الجبار: "... لو أتى المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب، وبمعصية استحق عليها عشرين جزءا من العقاب، فمن مذهب أبي علي أنه يحسن من الله تعالى أن يفعل به في كل وقت عشرين جزءا من العقاب، ولا يثبت لما كان قد استحقه على الطاعة التي أتى بها تأثير بعدما ازداد عقابه عليه.
وقال أبو هاشم: لا، بل يقبح من الله تعالى ذلك، ولا يحسن منه أن يفعل به من العقاب إلا عشرة أجزاء، فأما العشرة الأخرى، فإنها تسقط بالثواب الذي قد استحقه على ما أتى به من الطاعة، وهذا هو الصحيح من المذهب، ولعمري إنه القول اللائق بالله تعالى دون ما يقوله أبو علي...
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 248 249 250 251 252 ... » »»
الفهرست