روى بوله صلى الله عليه وآله وسلم قائما - ولو من دون ذكر السباطة -، والظاهر أن المغيرة وسهل بن سعد وأبا هريرة وعصمة بن مالك رأوه يبول قائما كما رآه حذيفة.
فإن قيل: لعل ذلك إخبار منهم بما سمعوه من حذيفة رضي الله عنه.
قلنا: فيكون إخبارهم على الوجه المذكور في أحاديثهم تدليسا ظاهرا وتلبيسا بلا ريب، مع أن صريح حديث كل من روى بوله عليه الصلاة والسلام من قيام - ممن ذكرناهم من الصحابة - ينفي وقوع الأخبار منهم على ذلك الوجه، بل كان ذلك بمشهد منهم وبمرأى.
وإن كان الثاني، وادعي أن ذلك وقع بمحضر ثلة من الصحابة، منهم سهل والمغيرة وأبو هريرة وعصمة بن مالك، فهذا مما يتحاشاه كثير من السفلة والجهلة فضلا عن نبي مع أصحابه.
فإن قالوا: لعل تعدد المخبرين ببوله صلى الله عليه وآله وسلم قائما لتعدد تلك الوقائع وتكررها.
قلنا: اتسع الخرق على الراقع، وفسد عليهم تأويلهم حديث عائشة:
" من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه " بأن ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك كان نادرا، إما للضرورة، وإما لبيان الجواز، وإما لغير ذلك مما ستأتي حكايته عنهم إن شاء الله تعالى، حتى أن النسائي ترجم الباب في سننه ب (الرخصة في البول في الصحراء قائما) مشيرا إلى أن ما وقع منه عليه وآله الصلاة والسلام من البول قائما كان في الصحراء.
وقد أول السندي في حاشيته على النسائي الصحراء بخارج البيت، وهو كما ترى! لأنه إن أراد بخارج البيت نفس طيبة الطيبة، فإن تأويله يكون فاسدا لا محالة، إذ يلزم منه أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحتشم من نسائه وأهل بيته ويستحيي منهم فلا يبول قائما بمحضرهم، ومع ذلك لا يبالي بأصحابه - مهاجريهم وأنصارهم -! مع أن دأب ذوي الألباب والأخلاق