تعالى عنه كان يتماشى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث دل على أن ذلك لم يكن لضرورة ولا لحاجة المسلمين، إذ لو كان كذلك للزم ذكره، ولما غفل عنه الرواة والنقلة، لاشتماله على بيان وجه مخالفته صلى الله عليه وآله وسلم، لما عرف من عادته وعهد منه في الإبعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة، والمقام يقتضي ذكر مثل ذلك كما لا يخفى على أهل العلم والتحصيل.
بل في حديث عصمة بن مالك ما يعكر على هذا التأويل، حيث قال:
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض سكك المدينة، فانتهى إلى سباطة قوم فقال: يا حذيفة استرني.
هذا، مع أن التأخير اليسير ليس فيه ضرر، ولو سلم ثبوته فإن البول من قيام أشد قبحا لا سيما من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان اللائق مراعاة جانبه، لحكم ضرورة العقل بدفع أشد المفسدتين بأخفهما، واستقرار سيرة العقلاء واستمرارها على ذلك، والله أعلم.
5 - ومنها: أن ذلك كان لجرح في مأبضه - أي باطن ركبته - صلى الله عليه وآله وسلم، رواه الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة - كما تقدم -.
قال الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في شرح البخاري (101): ولو صح هذا لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي.
انتهى.
قلت: في كلامه هذا إشعار بتكلف تلك الوجوه وضعفها، ولذا صرح بأن الأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، مع أنه كان أكثر أحواله صلى الله عليه وآله وسلم البول عن قعود.
وقد اختار أكثرهم هذا التأويل إذ لم يجدوا محملا أقل منه كلفة وإيرادا،