مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢٢ - الصفحة ٤٨
آثار تلك الإجراءات:
ولقد أثرت تلك الإجراءات ما أريد منها، من منع تدوين الحديث، ونكتفي نحن بما سجلناه في كتاب " التدوين " من تلك الآثار عن إعادته هنا.
ومما قلناه هناك ما نصه:
ومهما كانت الأسباب التي دعت إلى منع تدوين الحديث، إلى جانب منع روايته ونقله، فإن الأمر الذي ليس لأحد إنكاره هو أن الحديث قد منع - فعلا - كتابة وتدوينا، ورواية وتحديثا لفترة طويلة، وقد أثر ذلك آثارا سيئة، سواء أراد المانعون أم لم يريدوا! وسواء رضي المدافعون عنهم، أم غضبوا! وقد عبر البيهقي عن هذه الآثار - في دلائل النبوة - لما عنون لأحاديث " الأريكة " بقوله: " باب ما جاء في إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بشبعان على أريكته، يحتال في رد سنته، بالحوالة على ما في القرآن من الحلال والحرام، دون السنة، فكان كما أخبر، وبه ابتدع من ابتدع، وظهر الضرر (69).
وأهم تلك الآثار اختفاء جملة كبيرة من السنة النبوية:
وقد فصلنا الكلام عن ذلك، إلا أنا نذكر بعض الحقائق الواردة هناك:
فقرظة بن كعب الذي روى خبر منع عمر لوفد الكوفة عن الحديث، يقول - بعد نقله لذلك الخبر -: " فما حدثت بشئ، وقد سمعت كما سمع أصحابي " (70).
وأبو هريرة يخفي حديثا كثيرا خوفا من تهديدات عمر، فقد روى عنه المقبري أنه قال: " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين، فأما أحدهما فبثثته في الناس، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم؟! " (71).
فأي شئ أوجب أن يصير نقل السنة الشريفة سببا لقطع بلعوم شخص مثل

(٦٩) دلائل النبوة ٦ / ٥٤٩.
(٧٠) سنن الدارمي ١ / ٧٢ ح ٢٨٥ و ٢٨٦.
(٧١) تذكرة الحفاظ ١ / ٣٥، صحيح البخاري ١ / ٤١ كتاب العلم، باب حفظ العلم.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست