رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (73).
فقام أولئك المخلصون من الصحابة الكرام بتدوين الحديث في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وبعده، من دون توان أو انقطاع، ومن دون انصياع لأوامر الحكام بالمنع عن التدوين، وخلفوا لنا الحديث الشريف مصونا في صحفهم الكريمة.
وكذلك عارضوا إجراءات منع نقل الحديث وروايته، وقاموا بنشره، حتى لجأ الحكام إلى جلب بعضهم إلى المدينة وحبسهم، لكن ذلك لم يمنعهم عن الاستمرار على أداء ذلك الواجب المقدس تبعا لأئمة أهل البيت عليهم السلام، الذين كانوا يحثون الأمة على سماع الحديث والمذاكرة به ونقله وحمله وأدائه ونشره.
فهذا أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول:
" تذاكروا الحديث، وتزاوروا، فإنكم إن لم تفعلوا يدرس " (74).
وهذا صد لأهم آثار المنع، وهو اندراس الحديث وذهابه واختفاؤه.
وأبو ذر الغفاري:
ذلك الصحابي الصادق الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة، أصدق من أبي ذر " (75). وقف من إجراءات منع الحديث موقفا شديدا صارما، بصراحة:
قال الراوي: " أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه، يستفتونه.
فأتاه رجل، فوقف عليه، ثم قال: ألم تنه عن الفتيا؟! فرفع رأسه إليه، فقال:
أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار إلى قفاه - ثم ظننت أني