إلى الآفاق فقد حبسهم في المدينة، كما جاء في بعض النصوص نفس هذا التعبير (3) ويدل عليه قول عمر في بعض الروايات: " أقيموا عندي... لا تفارقوني... فما فارقوه حتى مات " (54).
ومن المعلوم أن منعهم من الخروج عن المدينة، إنما كان لأجل أن لا يحدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الحديث الذي أثار عمر وألجأه إلى حبسهم.
وأما تفسير الحبس بالمنع من الحديث، فهو صحيح لغة، لكنه لا يختلف عن المعنى الأول في شئ حتى يعتبره العجاج " جيدا " وكأن المعنى الأول ليس بجيد.
فالمنع من الحديث هو مغزى الحديث، ومغزى كل الآثار المذكورة عن عمر في معاملته مع الصحابة، وهو الأمر الذي يتصدى العلماء لتوجيهه.
وأما قول العجاج - توضيحا لتفسير ابن البري -: يريد أنه منعهم كثرة الحديث خوفا أن لا يتدبر السامعون... إذا كثر عليهم.
فهذا تصرف غير أمين، لأن ابن البري يقول: " منعهم الحديث عن رسول الله "، والعجاج يقو ل: " يريد منعهم كثرة الحديث ".
فكلمة " كثرة " زادها العجاج موهما أن ابن البري يريدها، وهو لا يريدها، ولو أرادها لأضافها في كلامه.
بغض الحديث ومعارضة تدوينه، خلق في آل عمر:
نقلت آثار تدل على أن معارضة الحديث وبغضه أمر أصبح خلقا في آل عمر.
قال الشعبي: " جالست ابن عمر سنة، فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا " (55).