فإنه وإن وجد احتمال الخطأ في خبر الواحد ولكن بكثرة الناقلين للأمر الحسي الواحد يزول بالتدريج إلى أن ينعدم تماما بحيث يحصل القطع بتحقق مضمون الخبر الحسي، فإن احتمال الخطأ والاشتباه في الحواس ينعدم بكثرة الناقلين: بينما احتمال الخطأ في الحدس والاجتهاد لا يزول مهما كثر عدد الناقلين (38).
وقد ذكرنا أن المنقول إليه وإن لم يحس بالمخبر به نفسه، وإنما نقل إليه بوساطة الناقلين، ولكن بكثرة الناقلين يحصل له القطع بالمخبر به وكأنه أحس به، ولكن هذه الحالة لا تتحقق للمنقول إليه إلا إذا كان المخبر به حسيا أو قريبا من الحس بحيث أحس به الناقل ونقله للمنقول إليه، وأما لو كان المخبر به حدسيا محضا، ونقل إلى المنقول إليه فهنا - حتى لو كثر عدد الناقلين - فلا يحصل القطع للمنقول إليه.
ومن هنا أنكروا تأثير التواتر في اعتبار الاجماع، فإن الاجماع وإن توفر على معيار التواتر - من كثرة الناقلين للحكم والمجمعين عليه - إلا أن هؤلاء العلماء المجمعين لم ينقلوا الحكم مباشرة عن الإمام - عليه السلام -، فلم يستند المجمعون - بالرغم من كثرتهم - إلى الحس، كما هو الأمر في نقل الروايات التي تنقل الخبر عن المعصوم - عليه السلام - نفسه، بل إن كل فقيه من هؤلاء المجمعين قد توصل للحكم من خلال اجتهاده ونظره، واجتهاد شخص وقناعته ورأيه، لا تفيد العلم إلا لنفسه لا لغيره، فإن هذا السامع لا بد أن يجتهد ويفكر في الرأي المنقول إليه ليؤمن بنفس الدليل، الذي يؤمن به الناقل لتحصل له القناعة والعلم به، فحتى لو كثر الناقلون والمجمعون للرأي الواحد فلا تحصل القناعة اليقينية للسامع.
فإن احتمال الخطأ لا يزول في مثل هذا الاجماع، لأن كل فقيه من هؤلاء المجمعين قد استند في رأيه إلى اجتهاده وحدسه اعتمادا على وجود أصل أو رواية، وربما كان مخطئا في اجتهاده أو فهم دلالة الرواية، وكثيرا ما وقع الاشتباه والخطأ