غاية ما هناك حصول الظن أو القوي منه " (36).
يقول السبزواري في شرح المنظومة: " ولا بد في المتواترات أن تكون عن أمر محسوس لا عن معقول، فالحاصل بالتواتر علم جزئي كل من شأنه أن يحصل بالإحساس، فلو أخبرنا بالتواتر بل أطبق أهل العالم أن اجتماع النقيض.
محال أو جائز مثلا ما أفادنا يقينا بمجرده لأنه أمر عقلي فلا تستعمل في العلوم العقلية المحضة بالذات " (37).
مما يدل على أن الأمر المنقول بوساطة التواتر يجب أن يكون في ذاته أمرا حسيا وقد أدركه الناقلون بالحس أيضا بحيث يمكن للمنقول إليه أن يحس به بإحدى حواسه، ويلحق به الأمر الحدسي القريب من الحس كالملكات النفيسة التي لها مظاهر وآثار حسية بحيث يمكن للإنسان الاحساس هي بهذه المظاهر وكأنه قد أحس بها نفسها، أما الأمور العقلية المحضة التي ليست هي حسية في ذاتها وليست لها مظاهر وآثار حسية، فمهما كثر الناقلون لها فلا يتحقق العلم للمنقول إليه إذ يشترط فيه أن يمكن للمنقول إليه الاحساس بذلك الأمر المخبر به ولكن لم يحس به بل نقل إليه بالتواتر.
ويلحق بالأمر الحدسي ما لو كان الأمر المنقول في ذاته أمرا حسيا، كموت زيد مثلا، ولكن توصل إليه الناقل بالحدس كالجفر والمنام مثلا ولم يتعرف عليه بالحس والمشاهدة، فهنا لو لم يتعرف الناقلون على الأمر الحسي بالحس بل بوساطة مقدمات حدسية فهو أيضا لا يوجب - هذا النقل - القطع للمنقول إليه مهما كثر عدد الناقلين.
والسبب في كل ذلك ما ذكرناه، أنه لا يزول احتمال الخطأ والاشتباه في نقل الأمور الحدسية مهما كثر عدد الناقلين، بينما احتمال الخطأ والاشتباه يزول في نقل الأمور الحسية التي أحس بها الناقل بكثرة الناقلين لها حتى ينعدم تماما،