في الأمور الحدسية والبرهانية والاجتهادية، لذلك لا يحصل للإنسان اليقين في نقل المعتقدات والآراء الشخصية، واحتمال الخطأ والاشتباه هذا إذا كان متحققا في واحد منهم فهو متحقق في الجميع أيضا، ولا يزول بالكثرة العددية كما يقول الشيخ النائيني: ".. إلا أنه ليس كذلك في الأخبار عن الأمور الحدسية التي لا بد فيها من إعمال نظر وفكر، فإن احتمال الخطأ إذا كان متمشيا في خبر الواحد منهم فيكون متمشيا في خبر الجميع أيضا " (39) ومن هنا ذكروا في أصول العقائد أنه يشترط فيها اليقين عن نظر واستدلال وإن كان بسيطا، لا عن سماع وتقليد، ولعله لأجل أن الإخبار عنها بمجرده لا يوجب اليقين والعلم عادة. والملاحظ على هذا الشرط أنه من شروط المخبر، لا السامع وحصول العلم، لأنه قد يحصل العلم من إخبار جماعة عن الأمور النظرية لبعض الأفراد، ومن هنا وقع بحث في أصول العقائد أنه لو حصل اليقين من السماع هل يكفي هذا في الاعتقاد بها، أم لا يكفي؟ بل لا بد من نشوء اليقين من نظر واستدلال، ولسنا في مجال البحث عن ذلك، ولكن هذا البحث يدك على حصول اليقين أحيانا من السماع في المسائل النظرية.
وقد ذكرنا عدم الفرق في تحقق التواتر في الأمور الحسية والحدسية القريبة من الحس، ولكن وإن أمكن تحقق التواتر وحصول العلم منه في القضية الحدسية القريبة من الحس إلا أنها ربما تختلف عن نقل القضية الحسية في سرعة حصول القطع وبطئه.
ويشير لذلك السيد الصدر بقوله: " ومنها درجة وضوح المدرك المدعى للشهود، ففرق بين الشهادة بقضية حسية مباشرة كنزول المطر، وقضية ليست حسية وإنما لها مظاهر حسية كالعدالة، وذلك لأن نسبة الخطأ في المجال الأول أقل منها في المجال الثاني، وبهذا كان حصول اليقين في المجال الأول أسرع " (40).