مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٥ - الصفحة ١٤٤
فإذا تنازع الفقهاء في مسألة ما وطبقوا عليها واحدة من هذه الأصول والقواعد فليس معنى ذلك أنهم عملوا بالاستصحاب، وإنما رجعوا لتطبيق القاعدة على جزئياتها ومصاديقها.
وتعبير النحاة هنا ب‍ (الأصل) من هذا القبيل.
ذلك لأن ما يسميه النحاة ب‍ (الأصل) مثل: (الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة) و (الأصل في الخبر أن يكون نكرة) و (الأصل في الفعل أن يكون ثلاثيا صحيحا مجردا... إلى آخره) و (الأصل في الأسماء الإعراب) و (الأصل في الأفعال البناء) وأمثال ذلك من أصول ذهنية مجردة، اخترعها النحاة دون أن تخطر ببال المتكلم العربي، أقول: هذه الأصول ما هي في الواقع إلا (مثل عليا) افترضها النحاة للكلمة والجملة العربية لتسهل عليهم عملية التصنيف والتبويب فيما بعد، فما كان جاريا على هذا (الأصل المثالي) جعلوه في (قاعدة) وما خرج عن هذا الأصل، فإن كان غير مطرد اعتبروه (شاذا) لا يقاس عليه، وإن كان مطردا، جعلوا له (قاعدة) فرعية أخرى، فالفعل ( ضرب) جار على (الأصل) والفعل (قال) معدول به عن هذا الأصل، ولكنهم أخضعوه لأصل آخر، مفترض أيضا، فقالوا: (الأصل في قال: قول، والأصل في باع: بيع) ليستنتجوا من ذلك قاعدة تصريفية مطردة يصرح القياس عليها: (إذا تحركت الواو - أو الياء - وانفتح ما قبلها قلبت ألفا) كما استنتجوا قاعدة: (إذا وقعت الواو أو الياء متطرفة، إثر ألف زائدة، قلبت همزة) مثل: كساء وبناء، فإن أصلهما (كساو) و (بناي).
وحين وجدوا المبتدأ في قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) معدولا به عن الأصل المفترض: (الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة) جعلوه ضمن (أصل) فرعي آخر: (حصول الفائدة للمخاطب):
ولا يجوز الابتدا بالنكرة * (ما لم تفد) كعند زيد نمرة وهكذا... فليس مرادهم من هذه (الأصول) المفترضة إذن غير بناء نظريتهم النحوية الكاملة، وتأسيس القواعد والضوابط التي لا تشذ عنها بنية
(١٤٤)
مفاتيح البحث: الجواز (1)، البيع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»
الفهرست