ما دون أن يسميها (أصلا) أو (استصحابا)، كاستدلال سيبويه بقاعدة: (إن الواو لا تزاد أولا أبدا) وأمثال ذلك (101) من قواعد أصول استنبطها النحاة من استقرائهم الناقص، ولا يمكن أن يقصد بها الخليل أو سيبويه (قاعدة الاستصحاب) لأن التطور الفكري في عصرهما لم يصل بعد إلى هذه القاعدة.
يؤيد ذلك أن (استصحاب الحال) لم يكن أصلا من أصول الفقه إلا في وقت متأخر، (وهو من وضع متأخري الشافعية) (102) لذلك لم نجد لمصطلح الاستصحاب ذكرا في (رسالة الشافعي)، ولا في كتب محمد بن الحسن وغيره من أصحاب أبي حنيفة، ولا عند غيرهم من الفقهاء إلا في القرن الرابع، وليس من المعقول أن يكون (الاستصحاب) أصلا من أصول النحو، في زمن لم يعرف عند الفقهاء، مع اعتراف واضعي هذه الأصول النحوية بأنهم وضعوها طبقا لأصول الفقه!!
على أن هذا المصطلح (الاستصحاب) لم يذكر - كما ذكر القياس - ولا مرة واحدة في كتب النحو المتقدمة، من كتاب سيبويه إلى خصائص ابن جني، ولعل أول مرة ذكره منهم هو ابن الأنباري في القرن السادس.
4 - أن كلمة (الأصل) لا تعني (الاستصحاب) بالضرورة، فقد سبق أنها تطلق على معان منها: (الدليل) الذي قد يكون نصا، وقد يكون قياسا، ومنها: (القاعدة) التي انتهى إلى تعقيدها أصحاب الفن في توجيه الاستفادة من الدليل، كالذي يقوله الأصوليون مثلا: (الأصل أن النص مقدم على الظاهر) و (الأصل أن عام الكتاب قطعي) وأمثالها، كما تطلق كلمة (الأصل) على (الراجح) عند التردد بين أمرين كل منهما محتمل، فيقال: (الأصل الحقيقة) عند تردد اللفظ بين حمله على الحقيقة أو المجاز، و (الأصل عدم الاشتراك) عندما يتردد كون اللفظ مشتركا أو غير مشترك.