في (المدونة)، ونتجت عن حملة الشافعي والرد عليها، هذه الثورة الهائلة من الكتب الأصولية المعروفة (41).
أما في الجانب النحوي فإن القياس عندهم يقترن باسم (عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي) (117 ه) في الكلمة المشهورة التي قالها عنه ابن سلام ورددها بعده الآخرون بأنه: (أول من بعج النحو ومد القياس والعلل) (42) ثم تلميذه من بعده عيسى بن عمر الثقفي (149 ه) الذي قيل: إنه وضع كتابين في النحو سمى أحدهما (الإكمال) والآخر (الجامع) (43) ولكن لم يصلنا هذان الكتابان، ولا مقتطفات منهما في الكتب المتأخرة، كما لم يصلنا شئ عن (القياس) الذي مده ابن أبي إسحاق، والحقيقة أن الذي وصل إلينا هو ما بعد هذه الفترة، مما أفاض به عبقري البصرة الخليل بن أحمد، الذي قام على نحوه كتاب سيبويه، ومنه تعرف طريقته في القياس والتعليل.
والملاحظ أنه لم يحدث أن كتب أحد النحاة ممن تأخر عن الخليل، ما يشفي الغليل عن أصول هذا القياس، واختلاف النحاة في مدرستي البصرة والكوفة في طريقة الأخذ به، مع إمكان أن يستخرج أتباع المدرستين النحويتين - كما استخرج أتباع المدرستين الفقهيتين - أصول هذا النحو والقياس من كتاب سيبويه وشروحه، ومن معاني الكسائي، ومعاني الفراء، ومقتضب المبرد، ومجالس ثعلب، والكتب النحوية المتأخرة عنها، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، وكل ما حدث أن انبرى نحوي في القرن الرابع، وآخر في القرن السادس، وثالث في القرن العاشر، ووجدوا أمامهم صنيع الفقهاء، وما حرره من أصول القياس ومسالك علته، فأخذوا يستعيرونها لقياسهم النحوي، كأن لم تكن هناك فوارق بين اللغة والشريعة.
وأنا قد أتعقل أن تكون أركان القياس في كل من الفقه والنحو هي هذه