إلا كقولنا نحن: صار المفعول فاعلا) (45).
وهذا النوع من الاستنكار لمماحكة من يحاورك، يمكن أن يصدر عن أي عربي ألف طرائق لغته، فإذا استوضحته، أو غالطته بها، فهو يدرك بسليقته ومخزون ما ألفه من كلام قومه: كيف ينطق هنا، وكيف ينطق هناك، بل حتى الأطفال في سن الرابعة يدركون (اختلاف جهات الكلام) وإن لم يدركوا لماذا اختلفت... يؤيد ذلك ما سبق لابن جني - في موضع آخر - من أنه سأل صاحبه الشجري هذا: (كيف تجمع (دكانا)؟ فقال: دكاكين، قلت: فسرحانا؟ قال:
سراحين. قلت: فقرطانا؟ قال: قراطين، قلت: فعثمان؟ قال: عثمانون، فقلت له: هلا قلت أيضا: (عثامين)؟ قال: أيش عثامين! أرأيت إنسانا يتكلم بما ليس من لغته، والله لا أقولها أبدا) (46).
فأنت تجد أن الرجل يعلل اختلاف الجمع هنا وهناك، بعادته اللغوية فقط، وأن الإنسان لا يتكلم بما ليس من لغته، ولكن هذا ليس إدراكا للعلة القياسية، ولا تنصيصا عليها، بل ولا (في معنى: صار المفعول فاعلا) - كما يقول ذلك - لأن ابن جني لو لم يغالط صاحبه: (ألست زعمت أن تقول (أخوك أبدا) لما كان بحاجة لأن يلتفت إلى اختلاف جهتي الكلام.
والمفروض أن النصوص العربية التي استقراها الخليل وأصحابه ليستنبطوا قواعدهم منها، كانت خالية من هذا الظرف المغالط الذي وضع ابن جني صاحبه فيه، فكيف ينصون على الجهات التي من أجلها رفعوا ونصبوا، أو اشتقوا وصرفوا!! وقد كان الخليل أقرب إلى واقع القضية مما ادعاه ابن جني لها، وأنت تعرف أن موضع الخليل من النحو كموضع الشافعي من أصول الفقه ويعتبره ابن جني (كاشف قناع القياس في علمه) (47) وهو بعد ذلك أقدم عهدا وأكثر صلة بالعرب الذين يحتج بأقوالهم من كل هؤلاء، يقول الخليل - حين