مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٥ - الصفحة ١٠٧
وإياها نووا، ألا ترى أنهم إذا استرسلوا في وصف العلة وتحديدها قالوا: إن علة (شد) و (مد) ونحو ذلك في الادغام، إنما هي اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد...) ثم يضرب أمثلة أخرى يقول في نهايتها: (فهذا الذي يرجعون إليه فيما بعد متفرقا قدمناه نحن مجتمعا) (22).
ثم يشبه عمله هذا بعمل الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة فيقول:
(وكذلك كتب محمد بن الحسن رحمه الله، إنما ينتزع أصحابنا - وهنا يعني فقهاء الحنفية (23) - منها العلل، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه، فيجمع بعضه إلى بعض بالملاطفة والرفق، ولا تجد له علة في كلامه مستوفاة محررة، وهذا معروف من هذا الحديث عند الجماعة غير منكور) (24).
ب - وأما أنها ليست وصفية تاريخية:
فلأننا - مع هذا التصريح الواضح من ابن جني أنه اتبع في تأسيس أصوله (طريقة الفقهاء) وهي وصفية تاريخية - نجد أن أصوله النحوية وأصول من تأخر عنه، ليست لها تلك الطبيعة الوصفية التسجيلية لأصول الأحناف، وذلك لأن ملاحظاته وملاحظات أصحابه، في الواقع، لم تأخذ طريقها الطبيعي فتعتمد إلى مسائل النحو الذي يؤرخون له، ومواضع الخلاف بين أقطابه كعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من البصريين، والكسائي والفراء وهشام الضرير من الكوفيين،

(22) الخصائص 1 / 162.
(23) الخصائص 1 / 163 وقد اضطررت لتفسير ب‍ (أصحابنا) هنا بالأحناف، وفي النص السابق بالبصريين، لأني رأيت بعض الباحثين - وفيهم من أجله - يرى: (إن النحاة - والبصريين منهم خاصة - قد انتزعوا علل النحو من كتب محمد بن الحسن الشيباني - صاحب أبي حنيفة - بالملاطفة والرفق) اعتمادا على هذا النص المشبه، مع أن أصحاب ابن جني في النحو هم البصريون، وفي الفقه الأحناف، وهو يشبه عمل نحاته بعمل فقهائه، ولا معنى لأن ينتزع النحاة علة (شد) و (مد) في الادغام من كتب ذات علل فقهية...
أنظر في ذلك: كتاب الأستاذ سعيد الأفغاني (في أصول النحو): 100، 226، والدكتور تمام حسان في كتابه (الأصول): 182، والدكتور محمد عيد في (أصول النحو العربي): 122.
(24) تقدم آنفا تحت رقم 23.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست