مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٤ - الصفحة ٢١٣
يوم التغابن " (22) فهذا وما جرى مجراه أول مقام المرابطة مع النفس وهي المحاسبة قبل العمل.
وأما محاسبتها بعده، فليكن في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التاجر في الدنيا مع الشريك في آخر كل يوم أو شهر أو سنة خوفا [من] أن يفوته منها ما لو فاته لكانت الخيرة في فواته، ولو حصل بخير لا يبقى إلا أياما قليلة. وكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة أو السعادة أبد الآباد؟! قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " (23) وهي إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال. وقال صلى الله عليه وآله: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " (24) وجاءه صلى الله عليه وآله رجل فقال: يا رسول الله أوصني. فقال صلى الله عليه وآله " أمستوص أنت؟ " قال: نعم. قال صلى الله عليه وآله " إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته، فإن كان رشدا فامضه، وإن كان غيا فانته عنه " (25). وقال صلى الله عليه وآله: " ينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات: ساعة يحاسب فيها نفسه... " الحديث (26).
ولما كانت محاسبة الشريك عبارة عن النظر في رأس المال أو في الربح أو الخسران ليتبين له الزيادة من النقصان، فكذلك رأس مال العبد في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل، وخسرانه المعاصي، وموسم هذه التجارة جملة النهار، ومعامله نفسه الأمارة بالسوء، فليحاسبها على الفرائض أولا: فإن

(٢٢) التغابن ٦٤: ٩.
(٢٣) الحشر ٥٩: ١٨.
(٢٤) محاسبة النفس: ١٣، إحياء علوم الدين 4 / 404، ولكنه نقله عن " بعضهم " لا عن رسول الله صلى الله عليه وآله، المنهج القوي 4 / 313 كما في أحاديث مثنوي: 116.
(25) إحياء علوم الدين 4 / 404.
(26) إحياء علوم الدين 4 / 404.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست