مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٤ - الصفحة ٢١٦
ينبت ويقوى أصله حتى يفسده، أو كمريض ظهر به الجرب وقد أمر بالطلاء وشرب الدواء، فالطلاء ليزيل ما على ظاهره والدواء ليقلع مادته من باطنه، فقنع بالطلاء وترك الدواء وبقي يتناول ما يزيد المادة، فلا يزال يطلي الظاهر والجرب دائم به يتفجر من المادة في الباطن، أو كمن بنى دارا وأحكمها ولكن في داخلها حشرات ساكنة من الحيات والعقارب والجراد وغيرها، فأخذ في فرشها وسترها بالفرش الحسنة والستور الفاخرة، ولا تزال الحشرات تظهر من باطنها فتقطع الفرش وتخرق الستور وتصل إلى بدنه باللسع، ولو عقل لكان همه أولا دفع هذه المؤذيات قبل الاشتغال بفرشها ليحفظ ما يضعه فيها ويسلم هو من أذاها ولسعها، بل أي نسبة بين لسع الحيات في دار الدنيا الذي ينقضي ألمه في مدة يسيرة ولو بالموت الذي هو أقرب من لمح البصر وبين لسع حيات المعاصي التي يبقى ألمها في نار جهنم، نعوذ بالله تعالى منه ونسأله العفو والرحمة.
ثم القول في قسم الاكتساب موكول إلى كتب العبادات وإن افتقرنا في ذلك إلى وظائف قلبية ودقائق علمية وعملية لم يدونها كثير من الفقهاء وإنما يفتح بها على من أخذ التوفيق بزمام قلبه إلى الهداية إلى الصراط المستقيم.
وأما شطر الاجتناب فمنه ما يتعلق بالجوارح ومنه ما يتعلق بالقلب:
فأما الجوارح التي تتعلق بها المعصية - وهي السبعة التي هي بمقدار أبواب جهنم - فمن حفظها حرس من تلك الأبواب إن شاء الله تعالى، وهي العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل.
فأما العين فإنها خلقت لك لتهتدي بها في الظلمات، وتستعين بها على قضاء الحاجات، وتنظر بها إلى ملكوت الأرض والسماوات، وتعتبر بما فيها من الآيات، والنظر في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ومطالعة كتب الحكمة للاستيقاظ، فاحفظها أن تنظر بها إلى غير محرم وإلى مسلم بعين الاحتقار أو تطلع بها إلى عيب مسلم بل كل فضول مستغن عنه، فإن الله جل جلاله يسأل عن فضول النظر كما يسأل عن فضل الكلام.
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»
الفهرست