الله فيه وأنسأ في أجلي (19) وأنعم به علي، ولو توفاني لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوما واحدا حتى أعمل فيه صالحا، واحسبي أنك توفيت ثم رددت، فإياك ثم إياك! أن تضيعي هذا اليوم، فإن كل نفس من الأنفاس هو جوهرة لا قيمة لها.
واعلمي يا نفس! أن اليوم والليلة أربع وعشرون ساعة، وقد ورد في الخبر أنه " ينشر للعبد بكل يوم أربع وعشرون خزانة مصفوفة فيفتح له [منها] خزانة فيراها مملوءة نورا من حسناته التي عملها في تلك الساعة فيناله من الفرح والسرور والاستبشار بمشاهدة تلك الأنوار التي هي وسيلة عند الملك الجبار ما لو وزع على أهل النار لأدهشهم ذلك الفرح عن الاحساس بألم النار، وتفتح له خزانة أخرى سوداء مظلمة يفوح نتنها ويغشى ظلامها وهي الساعة التي عصى الله فيها، فيناله من الهول والفزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم نعيمها، وتفتح له خزانة أخرى فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه " وهي الساعة التي نام فيها أو غفل أو اشتغل بشئ من مباحات الدنيا فيتحسر على خلوها ويناله من غبن ذلك ما ينال القادر على الربح الكثير إذا أهمله وتساهل فيه حتى فاته وناهيك به حسرة وغبنا، وهكذا تعرض عليه خزائن أوقاته طول عمره (20).
فيقول لنفسه: اجتهدي اليوم في أن تعمري خزائنك ولا تدعيها فارغة عن كنوزك التي هي أسباب ملك، ولا تميلي إلى الكسل والدعة والاستراحة فيفوتك من درجات عليين ما يدركه غيرك وتبقى عندك حسرة لا تفارقك وإن دخلت الجنة فألم الغبن وحسرته لا يطاق وإن كان دون ألم النار. وقد قال بعض الكاملين: " هب أن المسئ عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين؟! " (21).
أشار بذلك إلى الغبن والحسرة. وقال جل جلاله: " يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك