أدتها على وجهها شكر الله تعالى على ذلك ورغبها في مثلها، وإن فوتتها طالبها بالقضاء، وإن أدتها ناقصة كلفها الجبران بالنوافل، وإن ارتكبت معصية عاقبها وعذبها ليستوفي منها ما يتدارك به كما يصنع التاجر بشريكه، وكما أنه يفتش في حساب الدنيا عن الدرهم والقيراط حتى لا يغبن في شئ منها، فأولى أن يتقي غبن النفس ومكرها، فإنها خداعة مكارة فليطالبها أولا بتصحيح الجواب عن جميع ما يتكلم به طول نهاره، وليكلف نفسه في الخلوة ما يتولاه غيره بها في صعيد القيامة على رؤوس الأشهاد ويفضحه (27) بينهم، وكما يكره أن يظهر عيبه لأصحابه وجيرانه فيترك النقص لأجلهم فأولى أن يفعل ما يظهر عليه في مشهد تجتمع فيه الأنبياء والرسل والأشقياء والأتباع (28) من الأولين والآخرين فضلا عن الجيران والمعارف من أهل البلد وغيرهم، وهكذا يفعل في تفقد حركاته وسكناته بل جميع العمر في جميع الأعضاء الظاهرة والباطنة.
وقد نقل (29) عن بعض الأكابر - وكان محاسبا لنفسه - فحسب يوما وإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها فإذا هي إحدى وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: يا ويلتي! ألقى الملك بإحدى وعشرين ألف ذنب، كيف وفي كل يوم ذنوب، ثم خر مغشيا عليه فإذا هو ميت، فسمعوا قائلا يقول: يا لها ركضة إلى الفردوس. فهكذا ينبغي المحاسبة على الأنفاس وعلى عمل القلب والجوارح في كل ساعة، ومن تساهل في حفظ المعاصي فالملكان يحفظان عليه: " أحصاه الله ونسوه " (30).
واعلم أنك قد عرفت أن التقوى شطران: اكتساب واجتناب، فالأول