مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٤ - الصفحة ١٩٣
إن الشتاء غنيمة * موفورة للعابدينا قصر النهار لمن يصوم * وطول ليل القائمينا قال أهل العلم: في الليل تنقطع الأشغال، وتجمر الأذهان، ويصح النظر، وتؤلف الحاكم، وتدر الخواطر، ويتسع مجال القلب.
والليل أضوأ في سبل الفكر، وأخفى لعمل الشر، وأصح لتلاوة الذكر.
قال الله جل ثناؤه: ﴿إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا﴾ (60).
قالوا: ومدبرو الملك مختارونه على النهار لما في ذلك من صحة التدبير، وتصحيح المعاني، وتقويم المباني، وإظهار الحجج، وإيضاح النهج، وجمع المبسوط، وبسط المجموع.
ثم مؤلفوا الكتب يختارونه على النهار لأن القلب بالنهار طائر، وفي الليل ساكن، وبذلك يصيبون نظم الكلام وتقريبه من الأفهام، وبتدبير الليل يعرف الخاصة للملك الحازم وتنقاد العامة له، وقديما كان يقال: الليل نهار الأديب.
وكان من حديث ذلك فيما حدثني به أبي أن بعض البرامكة ولى ابنه ولاية، فبلغه عنه إهماله للرعية، وإقباله على اللهو، فكتب إليه:
انصب نهارا في طلاب العلى * واصبر على ترك لقاء الحبيب حتى إذا الليل دنا مقبلا * واستترت فيه وجوه العيوب فبادر الليل بما تشتهي * فإنما الليل بأمر الأديب كم من فتى تحسبه ناسكا * فبات في خفض وعيش خصيب ولذة الأحمق مكشوفة * يسعى بها كل عدو رقيب قالوا: ومما وصف به الليل قول القائل:
ولم أر مثل الليل جنة فاتك إذا هم أمضى أو غنيمة ناسك

(١٩٣)
مفاتيح البحث: الصيام، الصوم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست