قال صاحب النهار:
ليس تقديم الشئ بالذكر على غيره موجبا فضيلة، ولا ناتجا منقبة، ألا ترى أنه قال جل ثناؤه: ﴿خلق الموت والحياة﴾ (٧) ومعلوم أن الحياة أفضل، وقال جل وعز: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (٨) والإنس لا شك أفضل.
مع أن في القرآن تقديم النهار على الليل في قوله جل وعز: ﴿والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها﴾ (٩) فقدم النهار. وقال جل ثناؤه: ﴿مثل الفريقين كالأعمى والأصم وابصر والسميع﴾ (١٠). تأويل ذلك عن أهل اللغة: مثل الفريقين كالأعمى والبصير والأصم والسميع، فهل يكون المقدم ها هنا أفضل من المؤخر، ذا لا يكون أبدا.
قال صاحب الليل:
فضيلة الليل تقدمه على النهار وسبقه إليه، قال الله تعالى: ﴿أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما﴾ (11) فلا مرية في أن المرتتقين مظلمان، فإذا فتق أحدث معنى آخر، فالظلمة إذا قبل النور في الإنشاء والخلقة، وإذا كان كذا فالليل قبل النهار.
قال صاحب النهار منشدا متمثلا:
إذا سلكت حوران من رمل عالج فقولا لها: ليس الطريق كذلك