مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٤ - الصفحة ١٦٩
وهذا التأويل مبتن على أساس ما يسمى في علم البلاغة ب‍ " القول بالموجب " (1) وهو أن يحمل المجيب، اللفظ الوارد في السؤال، على معنى لم يقصده السائل.
فالسائل أراد من النصب، الإعراب.
والشريف أجابه على أنه أراد النصب العقائدي.
ولا ريب أن جواب الشريف هذا، واستعماله هذا الأسلوب البلاغي البديع، يحتاج إلى مزيد الدقة، وجدة الذكاء، وسرعة انتقال الخاطر، والتوجه إلى المعاني المختلفة وإصابة المنحر في المسألة العقائدية، بما كان صدوره من السيد الشريف في ذلك العمر موجبا للإعجاب الأكبر.
وهو الذي أثار حفيظة كثير من المتأدبين، فحرفوا النادرة إلى ما يهوون!
إن الإباء المعهود في الشريف الرضي، ذي النسب العلي، والأنف الحمي، دفعه إلى اعتبار الامتحان في الحلقة امتهانا، وإثارة للطائفية المقموتة، فكأنه فهم - وهو الملاحظ - أنهم أرادوا أن يجبروه على أن يتصور صورة كلمة " عمر " التي سيؤول إليها لفظ " عمرو " في حالة النصب، فأبي أن ينصاع لهم، وإنما ذكر لازمها وهو " بغض علي "، فجابههم بهذا الجواب اللاذع.
وفي إجابة واحدة جمع الشريف الرضي بين شتات كل هذه المطالب وهذا منه - وهو طفل لم يبلغ العاشرة، في حلقة علماء الفن - يدل - بلا ريب - على ذكاء مفرط ونبوغ مبكر.
وقد جمعنا بإبرازنا لهذه النكت الطريقة بين ما يناسب شخصية الشريف المرموقة، وبين شهرة النادرة الواسعة، ورفعنا الخلل الواقع في النسخ المختلفة من المصادر الناقلة لها.

(1) كذا يسميه قدماء البلاغيين، وسماه في كتاب " الأسلوب الصحيح في البلاغة " - ص 78 - ب‍ " التعريف ".
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 173 174 175 ... » »»
الفهرست