إن (الابتهاج) في فلسفة ابن سينا فائق على اللذة المنعشة التي هي ذات صلة محصورة بطبيعتنا السيكولوجية والعقلية والروحانية، لأنه لا يعزو اللذة والتمتع إلى الله تعالى.
وعلى رأي العقلاء والفلاسفة والعرفاء وكذلك الأديان الإلهية فإن هذا العزو غير ممكن، وعدم الإمكان هنا قد يؤكد بمفهوم الخير أيضا.
ابن سينا يعزو الابتهاج إلى الله تعالى بقوله: (أجل مبتهج بشئ هو الأول بذاته لأنه أشد الأشياء إدراكا لأشد الأشياء كمالا الذي هو برئ عن طبيعة الإمكان والعدم وهما منبعا الشر) (9)، (10).
إننا نتفهم من هذه الكلمة أن قصد ابن سينا بالابتهاج هو واقع فوق اللذة، وهو يعزو الابتهاج في مقام ثان إلى العارفين المتنزهين، فقال: (ويتلوه المبتهجون به - أي بالله - وبذواتهم من حيث هم مبتهجون به، وهم الجواهر العقلية القدسية فليس ينسب إلى الأول الحق، ولا إلى التالين من خلص أوليائه القدسيين شوق) (11).
نعلم أن من يميل إلى شئ يجد فيه لذة، ويميل بها متحمسا حتى يصل إليها، بناءا على ذلك فمقام الربوبية يكون منزها عن الميل، وعندما ندرس واقع الابتهاج دقيقا كأننا نتفهمه في إدراكاتنا العقلية ووعينا (الشئ السيكولوجي)، لا نقدر أن نتفق مع ابن سينا في عزوه إلى الله، لأن معنى الابتهاج يشمل مفهوما يشبه الفرح والهناءة التي تنشأ من تنجز شئ مطلوب من المبتهج نفسه.
مضافا إلى ذلك فإن ابن سينا ينكر أي سنخ من أشراف اللذات على نفسه