مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٧ - الصفحة ٤١
النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) (3).
ومما قد نراه في سير الإنسان في طريقه إلى (الأنا) الأسمى هو تركه اللذة الطبيعية المحضة تدريجيا، حتى يتركها في الحالات الدنيا، لوجوده الطبيعي، ويستمر في حركته نحو الكمال، وفي الحقيقة، ترك اللذة يبدأ بالانحراف عن غرض أو هدف يجر شخصا وراءه إذ أنه يسير في طريقه نحو الكمال، وبناءا على ذلك تنحدر اللذة تدريجيا إلى جانبه كالظل الذي يرجع إلى قائمته، فالشخص قد يحالفه الحظ في وقت ما فيصبح بها فائزا، وقد يهملها في وقت آخر ولا ينتبه إليها. ثم هو باستمرار تقدمه في طريق الكمال يترك اللذة على الإطلاق، يكف عن التمتع بها، ويتقدم إلى الأمام مع باعث من رفعة (الأنا) التامة بدون أي ضرورة إلى بواعث اللذة والعوامل الدافعة الرافعة الآلام.
إن الإنسان بهذا التقدم لا يرى أي علة أو عامل إلا جوهر ذاته التي تكون مضاءة بالأنوار الإلهية. ثم يحرز الإنسان تطورا في ذاته التي تستحق الأبدية والسرمدية بأبدية الباري تعالى، وعلى رأي أن ذلك هو ما يقصده أفلاطون في قوله: (مت بالإرادة تحيا بالطبيعة).
وإنه يعني بترك اللذات البهيمية والانسحاب منها، وفي النهاية البقاء بالجوهر الذاتي مع أبدية الباري تعالى.
اللذة العقلية والروحانية لقد استعلى فيلسوفنا الكبير على اللذات الطبيعية البهيمية، وذهب إلى اللذائذ العقلية والروحانية، فقال: (فلا ينبغي لنا أن نستمع إلى قول من يقول: إنا لو حصلنا على جملة لا نأكل فيها ولا نشرب فيها ولا ننكح فأية سعادة تكون لنا؟ والذي يقول هذا فيجب أن يبصر ويقال له: يا مسكين، لعل الحال التي للملائكة وما فوقها ألذ وأبهج وأنعم من حال الأنعام، بل كيف يمكن أن يكون لأحدهما إلى الآخر نسبة يعتد بها) (4).

(3) سورة الفجر، آية 27.
(4) الإشارات، ج 2، ص 87.
(٤١)
مفاتيح البحث: الأكل (1)، سورة الفجر (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست