إن الفيلسوف الإغريقي (أبيقور) هو أول من عرف في تأريخ الفلسفة بهذا الاعتقاد، والشراح كانت لهم آراء مختلفة حول فكرة اللذة في فلسفة (أبيقور)، فمنهم من يعتقد بأنه لا يعني باللذة إلا اللذة الطبيعية التي يحصل عليها الإنسان بواسط قواه المادية، وكل واحد منا يعلم أن فلسفة (أبيقور) تؤدي إلى هذا الذي فهمه الشراح - بوصف الأشياء التي تؤسس الحياة العادية الطبيعية البسيطة - الذي يحرم الإنسان من كل عنصر من الكمال والقيم الكريمة التي ترفعه من ال (أنا) العادية إلى الأسمى، إلى ال (أنا) الإنسانية عندما يصبح قادرا على التعرف على الحق والارتقاء إليه، هذا الارتقاء الكامل في إنسانيته.
هذه القيم الكريمة هي التي بذل الأنبياء والفلاسفة والعباقرة معظم جهودهم لتثبيتها ونشرها بين أفراد هذا الجنس الكبير الذي نسميه الإنسان. ولأجل تثبيت هذه القيم السامية في المجتمعات الإنسانية حفل تأريخ البشر بأكرم الضحايا من شهداء الفضيلة.
وإن تفسير اللذة في معناها الجسمي الصرف وجعلها أعلى الأغراض للحياة، ليبدل الإنسان - الذي يحب الكمال حبا عميقا ويميل إلى الانجذاب نحو العالم اللاهوتي - بحيوان يعبد اللذة ويخضع لعواملها وبواعثها.
فكان من الطبيعي أن يهتم الفلاسفة برد هذه الفكرة الرديئة، لكونها أكبر العراقيل في طريق النهوض الإنساني.
وبهذه الفكرة الخسيسة فإن (أبيقور) قد أتى لحياة الإنسان بأقوى العوامل التي تهبط بأماثل الإنسان من مراتبهم العليا، وهو في هذه الفكرة يشبه (نيقولا ميكافيللي) في فكرته حول القدرة على عصيان أصحاب الاقتدار والجبابرة، إلى حد أنه يبرر أي وسيلة من أجل المقاصد السياسية دون أي عناية بأصول وقيم الإنسان الكريمة.
إن سوء الفهم لهذين المبحثين (اللذة والقدرة) الذي شوهد في المجتمعات الإنسانية طوال العصور كان أشد العوامل إيلاما وإزعاجا.
وأما الفكرة الثانية فتقول: إن (أبيقور) وتابعيه الذين هم مدافعون عن أصالة اللذة لا يعنون تلك الظاهرة العامة التي تستنفذ الحياة بمرورها على العواطف، مخلفة وراءها الآلام والأحزان، ولا شئ - بالمرة - باقيا منها في أعماق النفس للنفس، إلا