لعنصر واحد هو التراب ولأب وأم واحد فساواهم وربطهم برابطة واحدة ومصدر واحد وبعدها ميز الواحد عن الآخر بتلك الفضيلة المعنوية العظمى التي هي أم الفضائل وهي التقوى وهو المقياس المقبول العقلي والحكمي حيث قال إن أكرمكم عند الله أتقاكم. فأجمل وأبدع باختصار الموازين الاجتماعية والأخلاقية الحقيقية للحد والتدرج في التفاضل، وإذا راجعت كتب الفلاسفة والحكماء السابقين واللاحقين ومنهم أفلاطون لتجدنهم حاروا وخابوا لوضع مثل هذا المقياس العظيم لرفع إنسان على إنسان وهنا تجده بعث بآيته هذه أمة عالمية واحدة من مجموع البشر، إخوة متعاونين لا تميزهم لغة أو لون أو حسب أو نسب أمة عالمية واحدة لا يمتازون بأي شئ فيه على بعضهم إلا بالتقوى. تلك الجملة التي قضت على التعصبات الجاهلية والحزازات القبلية والمخاصمات النفسية التي خلفتها الأنانية بين الأفراد والجماعات وأزالت الغرور والكبرياء حينما بينت ماهية الإنسان ونسبته الواحد للآخر.
فما حدى بعمر لمخالفة تلك النصوص والتفريق بين العرب والعجم حتى كان منه ما بدى حيث قال: لا يحن عربي على أعجمي أو أعجمي على عربي، وسار على آثارهم معاوية وخلفاءه مما حملوه من العصبية الجاهلية وتحقير وتسخيف كل الشعوب الغير العربية حتى لا تجد في ولاتهم ورجالهم إلا من هو عربي ومن شيعتهم وأذنابهم. ولا تجد لتلك الحضارات القديمة والثقافات الرفيعة من علومها وعمرانها وأعمالها الجبارة ونظمهم في حياة الإنسان المادية والمعنوية أثرا يذكر في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين المديدة، كلا ولا تجد لنشر المعارف الإسلامية والآداب والأخلاق الرفيعة التي جاء بها نبي الإسلام في حديثه وسنته أثرا ولا للعدالة والمساواة والحرية الفكرية والمدنية التي جاء بها الإسلام أثرا بعد أن قضى عمر على منع تدوين الحديث والسنة من جهة وقضى على العلوم والمكتبات حرقا وتدميرا كما سيأتي ذكر ذلك. وهكذا تجد العصبية القومية للشعوب ضد العرب والعرب ضد الأعاجم بلغت أوجها في عهد عمر وعثمان وعهد الأمويين المشؤوم، تلك المساوئ