وهكذا نجد أن العقيدة قد عملت على قشع غيوم العصبية السوداء من القلوب، وقامت بتشكيل هوية اجتماعية جديدة للناس تقوم على الإيمان بالله ورسوله، وإشاعة مشاعر الحب والرحمة بدلا من مشاعر التعصب والكراهية، فالعصبية التي تعني: " مناصرة المرء قومه، أو أسرته، أو وطنه، فيما يخالف الشرع، وينافي الحق والعدل. وهي: من أخطر النزعات وأفتكها في تسيب المسلمين، وتفريق شملهم، وإضعاف طاقاتهم، الروحية والمادية، وقد حاربها الإسلام، وحذر المسلمين من شرورها " (1).
ولعل من أبرز مظاهر التغيير الاجتماعي، الذي صنعته العقيدة أن هناك أفرادا كانوا في أسفل السلم الاجتماعي في فترة ما قبل الإسلام، فإذا هم بعد إشراق شمس الإسلام، يتصدرون قمة الهرم الاجتماعي، فبلال الحبشي (رضي الله عنه) يصبح مؤذن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسلمان الفارسي (رضي الله عنه) هو رجل من بلاد فارس، تنقل من رق إلى رق، أصبح في عصر الإسلام صحابيا جليلا، وحاكما عاما على بلاد كبيرة، وفوق كل ذلك غدا من أهل البيت (عليهم السلام)، سأل رجل عليا (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أخبرني عن سلمان الفارسي قال (عليه السلام): (بخ بخ سلمان منا أهل البيت، ومن لكم بمثل لقمان الحكيم..) (2).
وكان زيد بن حارثة وابنه أسامة ممن ينبغي - وفق التقسيم الجاهلي - أن يكونا في طبقة العبيد، فإذا بهما يقودان جيوش المسلمين في اثنتين من أكبر الحملات الإسلامية عدة وعددا.