خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ٢٧٨
الزمن، أي الدين الذي لا يعقبه دين سماوي آخر، بل ولا يأتي دين بعده بصور مطلقة، كما تشهد بذلك القرون، حتى أن حاجة الاسلام إلى وسائل تبليغه ستبقى ملازمة له من جيل إلى جيل، ومن جنس إلى جنس، لا يلغيها شئ في التاريخ، وهذا يعني ان هذه الوسائل يجب ألا تكون مثل الأديان الأخرى، مجرد توابع يتركها الدين في الطريق عبر التاريخ بعد مرحلة التبليغ مثل اليد عند موسى أو عصاه التي لم يبق لها أثر حتى في متاحف العالم، كما بقيت عصا (توت عنخ آمنون) الذهبية.
وعليه يجب أن يكون إعجاز القرآن صفة ملازمة له عبر العصور والأجيال، وهي صفة يدركها العربي في الجاهلية بذوقه الفطري كعمر (رض) أو الوليد بن المغيرة، أو يدركها بالتذوق العلمي كما فعل الجاحظ في منهجه الذي رسمه لمن جاء بعده.
ولكن المسلم اليوم قد فقد فطرة العربي الجاهلي وامكانيات عالم اللغة في العصر العباسي.
وبرغم هذا فان القرآن لم يفقد بذلك جانب الاعجاز لأنه ليس من توابعه، بل هو من جوهره.
وانما أصبح المسلم مضطرا إلى أن يتناوله في صورة أخرى بوسائل أخرى، فهو يتناول الآية من حيث تركيبها النفسي الموضوعي أكثر مما يتناولها من ناحية العبارة، فيطبق في دراسة مضمونها طرق التحليل الباطن.
وإذا كانت هذه الضرورة ملحة بالنسبة للمسلم الذي حاول تعقيد عقيدته على أساس ادراك شخصي لقيمة القرآن ككتاب منزل فإنها أكثر إلحاحا بالنسبة لغير المسلم الذي يتناول القرآن كموضوع دراسة أو مطالعة.
فهذه في مجملها الأسباب التي دعتنا إلى تطبيق التحليل النفسي بخاصة لدراسة القرآن كظاهرة (1).
ولكن الشيخ محمود شاكر يذهب إلى أن الاعجاز القرآني لا يزال كما كان مرتبطا

(1) الظاهرة القرآنية 66 - 71.
(٢٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 ... » »»