خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ١٨١
الوجدان ومن غير عناء تأويل أو تكلف، بتفسير أن من وجده الله تعالى ضالا فلا يهديه الا هو سبحانه (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) بشموله له بعنايته وتوفيقه، ذلك أن من لا تشمله العناية الإلهية لا يستطيع أحد هدايته، وهو واضح.
ويمكن حملها على معنى الجعل كما هي في صيغة المضارع (تضل) و (يضلل) وفي الألفاظ الأخرى (طبع) و (لا تزغ).
وهنا نقول:
قد يراد بالجعل هنا الجعل التكويني، وقد يراد به الجعل التشريعي.
فالجعل التشريعي على نمط الدعاء القائل: (اللهم أغنني بحلالك عن حرامك) أي ما جعلته حراما شرعا.
فتكون (أضل) و (يضل) بمعنى جعل ويجعل تشريع الضلال.
والجعل التكويني هو جعل القوة التي يقتدر بها الانسان على فعل الضلال في تكوينه (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها).
فمتى فعل الانسان الضلال كان ضلاله معلولا لقدرته المعلولة لقدرة الله تعالى الواردة في طولها، ويصح - كما تقدم - نسبة الفعل إلى كل علة من علله التسلسلية.
وننتهي من هذا إلى أن هذه الآي وأمثالها لا دلالة فيها على الجبر.
5 - تفسير الآية وفق المعنى المشهور لمفرداتها من دون مقارنته بالمعاني الأخرى للمفردة وتعيين المناسب للمعنى الجملي للأية.
وجاء هذا في مثل الآية الكريمة (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) - الاسراء 16 -.
ان تفسير (أمرنا) هنا بالأمر الانشائي (الطلب من العالي إلى الداني) وتقدير أن المأمور به هو الفسق بقرينة (ففسقوا) لتتم دلالتها على الجبر يتنافى وما قدمنا من أن الله تعالى عادل حكيم يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
وقد وجه تفسيرها بان الأمر فيها مطلق، وتقييده بالفسق غير جائز لما تقدم.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»